الثلاثاء، يونيو 29، 2010

تعقيب على "ثلاثية" جهاد الزين - 2 - : تحريرالمقالة وعن الدولة العثمانية والمذهب الحنفي والتعددية وسؤال أين الهندوس؟

تعقيب على "ثلاثية" جهاد الزين - 2:
تحريرالمقالة وعن الدولة العثمانية والمذهب الحنفي والتعددية وسؤال أين الهندوس؟
بقلم الشيخ علي حسن خازم

مقدمة لا بد منها :

يعرف الأستاذ جهاد الزين , وتربطني به[1] علاقة قديمة , أنني مقٌّلٌ في أكثر الأمور والكتابة منها , ولكنني مستغنٍ خصوصا بالحوار في المسائل التي تقدم جديدا يثير الفكر .

ومن لم يقرأ مقالته على هذا الضؤ لن يعرف سر إستمراري في تعقبها ومتابعة تفاصيلها : إنها تقدم فعلا جديدا حقيقا بالإهتمام فهو قد " وضع " , أو أنه كما الكشافة المُميَّزون قد قرأ " خارطة طريق " لقضية شكلت بالمعالجة القديمة التي أَعلنَ عقمها , بل وفاتها وستشكل بالمعالجة الجديدة التي دعا إليها تحديا حقيقيا على المستويين الفكري والسياسي يمشي وفقها لاهوتيون أو دينيون وسياسيون , ففي مقالته أطلق جهاد الزين الجواب على مسألة أي دولة يريد ؟ وهو سؤال لا أنه مشروع فحسب بل إنه مطروح فعلا وقد أجابت عليه نخب وسياسيون وقامت على أساسه دول , وحاولت نخب وقوى تطبيق جوابها فلم تفلح في أصل القيام أو أنها سقطت في التطبيق , لكن السؤال الآخر الذي يتجاوز جهاد الزين مناقشته هو : أي دولة هي الأصلح ؟ وهذا السؤال له ما بعده...

وأما وقد أذن لي بنشرمتابعة التعقيب على مقالته[2] سأسمح لنفسي في هذا القسم الثاني أيضا بأمور ثلاثة :

أحدها , وفق اللغة الفقهية - تحرير المطلب أو تهذيب المتن , ما يعني إعادة تقديم النص بالإقتصار على المراد الأساسي للكاتب وبعبارته نفسها دون ما كان إستدلالا لرؤيته أو شرحا أو تفريعا أو تمثيلا, لتكون المسألة الأساسية حاضرة في ذهن القارئ.

الثاني , مقاربة سريعة لفكرته عن الدولة العثمانية والمذهب الحنفي التي شكلت أساسا لإختياره شخصية دينية سنية تركية يوظفها في مشروعه , او بتعبيره : يجعلها رافدا في اعادة الاعتبار لفكرة الدولة غير الدينية , هي شخصية الشيخ فتح الله غولن .

الثالث سؤال أين الهندوس ؟

على أنني أستميحه عذري بتأجيل مقاربة العناوين الأساسية التي وردت في مقالته إلى رسالة أخيرة .

الأمر الأول , تحرير المقالة :

يمكن الإقتصارعلى النص التالي من المقالة الذي يؤدي مراد الكاتب منها وفيه : توصيف الواقع , وتحديد الهدف أو الخيار وتعيين الوظيفة والسياسات التي يستفاد منها في الوصول إلى الهدف . فتقرأ كالتالي :

البابا بينيديكتوس، الإمام فتح الله غولن ، السيد علي السيستاني - التوجهات الدينية الثلاثة لدعم "الدولة غير الدينية"

المشهد غير واضح حتى لو كان حقيقياً وفاعلاً. بل حتى انه غير منظور بما هو مساحة مشتركة ممكنة، بل قائمة، بين مواقع - تيارات ثلاثة يمكن اعتبارها الآن، بل جعلها، قوة دفع فكرية وبالتالي سياسية، لبلورة شخصية "الدولة غير الدينية"، الشخصية التي تنطوي في مضمونها على اتجاه أو بدء اتجاه (تاريخي؟) معاكس للمضمون الاصولي الذي سيطر على رؤية "الدولة" باعتبارها دولة نازعة نحو حكم ديني، وانتج في العالم المسلم، دولاً تحت الحكم الديني المباشر، ومعها سيطرة متزايدة وقائمة للحركات السياسية الاصولية على الحيوات السياسية في العالم المسلم وفي صعود أصولي أكيد في العديد من البيئات الغربية وتحديداً في أوروبا والولايات المتحدة الاميركية.

هل ما نرى مع مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، هو إمكان ولادة متعددة الروافد لتيار معاكس، يتحول لاحقاً الى نواة "عد عكسي" للسيطرة الاصولية الفكرية - السياسية باتجاه تعزيز فكرة - ونماذج - الدولة غير الدينية؟

إذا كانت التجربة التاريخية، منذ تأسست "الحداثة الاوروبية" على خط متواصل من المسافة بين الدولة والدين انتجت الفكرة العلمانية، هي التي تجعل الفاتيكان جاهزا لاستقبال تلقائي لأي "علمانية ايجابية" تريد صيغة "تصالح" ما مع الكنيسة دون التخلي عن البنية العلمانية للدول الاوروبية، فان التجربة التاريخية للدولة العثمانية جعلت المذهب الحنفي الأكثر قابلية فقهية تكوينية لاستيعاب التعدد الديني والمذهبي... بينما تظهر الوقائع المعاصرة، ان تقاليد النجف كمركز المذهب الجعفري في الاستقلالية الكاملة عن الدولة، قد جعلتها مهيأة على اساس متطلبات الوضع العراقي الجديد لدعم بل حماية نموذج تعددي لدولة مدنية متدينة ولكن غير دينية في العمق !

من هذه القابليات الثلاث يمكن ان يولد في محيطنا اليوم الامكان الحيوي لتيار الدولة التعددية.

ورموزهذه الامكانية، التي يمكن ان تنضم اليها قابليات اخرى فرعية او سياسية، في الأفق الحالي المنظور،

...نجد الاساس لهذه الامكانية في ثلاث شخصيات رئيسية جداً هم ثلاثة حالياً:

البابا بينيديكتوس - الامام فتح الله غولن - السيدعلي السيستاني.

انها المرحلة التالية بدون لبس:

مرحلة دور أو أدوار التيارات المتدينة في عملية إعادة ما لفصل الدين عن الدولة.

"الدينيون الجدد" هم الذين يستطيعون في ظل الاكتساح الاصولي اعادة الاعتبار لفكرة الدولة غير الدينية.

هذا ليس زمن غير الدينيين في صناعة العلمانية الجديدة. هذا زمن الدينيين في اعادة "علمنة" الحياة السياسية ومفاهيمها.

... وتأتينا الروافد من الفاتيكان وتركيا والعراق.

الأمر الثاني , عن الدولة العثمانية والمذهب الحنفي والتعددية :

قال: " ان التجربة التاريخية للدولة العثمانية جعلت المذهب الحنفي الأكثر قابلية فقهية تكوينية لاستيعاب التعدد الديني والمذهبي..."

يبدوا أن الأستاذ جهاد الزين في خلاصة حكمه هذه - وأقدر ان المقالة الصحفية تضيق عن حمل حيثياته - قد خلط محقاً بين "صوفية" وبين "حنفية" المرجعية الفكرية لمبدأ التعددية في الدولة العثمانية , وهو مبدأ يمكن ملاحظته في الدولة العثماتية المتأخرة. لكن ووفق ما أميل إليه بحسب الوقائع فإنه كان ناشئا عن أمرين : حاجة السلطان الداخلية واستجابة للضغوط الخارجية . وعلى كلا الإحتمالين فإن ميدان التطبيق لهذا المبدأ لا يشجع على إعتماده أساسا لرفد فكرة الدولة التعددية في القرنين الحالي و القادم .

أما الروح الصوفية التي لم تُقبَلْ فقط , بل إنها سمحت بإستخدام العلويين مثلا في جهاز الحماية الخاص بالسلطان في نفس تركيا , وأكثر من ذلك إتبع بعض سلاطين بني عثمان الطريقة الصوفية البكتاشية وهي طريقة صوفية علوية (شهدت تركيا مؤخراً مؤتمرا عالميا عن مؤسسها حاج بكتاش ولي في شهر أيار الماضي) , فإن هذه الروح تتناقض مع ما كانت مجازرهذه الدولة ترتكب بحقهم - العلويين - وبحق الشيعة الإثنا عشرية من قرية انصار في جبل عامل إلى حلب مرورا بالساحل والجبل العلوي السوري فضلا عن اليهود والمسيحيين , ولو راجع كتاب جده المرحوم الشيخ علي الزين " للبحث عن تاريخنا في لبنان " لقرأ مثلا قوله في الصفحة 501 من الطبعة الأولى 1973 تحت عنوان إشتراك المتاولة في الثورة على ولاة الأتراك :

"...وإذا ما استغل الثوار فرصة إنشغال الدولة بالحرب مع غيرها من الدول فذلك لم يكن لأجل الإنفصال عن الدولة او الإنضمام إلى غيرها من الدول المعادية كما تخيل بعض المؤرخين , وإنما كان إستغلالهم لقسوة الظروف كي يحرجوا طغاة العثمانيين ويجبروهم على الإعتراف لهم بما يطمحون إليه من الحكم والنفوذ الذي يدغدغ أحلامهم ويطمئن قلوبهم ويصونهم من غطرسة البشوات واستبدادهم .".

ثم يحيل الشيخ علي الزين القارئ على كتاب علي بك الكبير لمحمد رفعت رمضان في التفاصيل.

أقول هذا فضلا عما في كتاب الشيخ من تفاصيل لوقائع بعض المجازر المشار إليها آنفا .

وهكذا , يصير مشروعاً السؤال من يضمن لنا أن التعددية التي يتغنَّى بها غولن منطلقا من "إسلام تعليمي" كما اسميته وصوفية عالمية قال عنها أرنست خوري إنها وصلت " إلى حدّ أنه قد لا يجد القارئ في بعض كتاباته إلا ذكراً واحداً أو اثنين لكلمة «الله» أو «القرآن» أو النبي محمّد." . وإلى حد أن تخصص حكومة ولاية هيوستن يوم 21 من شباط من كل عام للاحتفال به كـ«يوم مؤسسة غولن», ليست إلا كالتعددية الناشئة من صوفية بعض سلاطين بني عثمان؟؟؟

وأما في العلاقة بين الدولة العثمانية وبين المذهب الحنفي , فالصحيح هو أن الخدمات بينهما كانت كبيرة ففي الوقت الذي أمَّن المذهب الحنفي للعنصر التركي شرعية الخلافة حيث لم ير الأحناف تقديم العنصر العربي شرطا في الخليفة كما عند المذاهب الأخرى وفقا للحديث النبوي الأئمة من قريش , فمما لاينكر أن إعتماد السلطنة على المذهب الحنفي أعطاه فرصة تطويره ليكون دستورا وقضاء ومرجعية كاملة لدولة فيما حرمت من هذه الفرصة بقية المذاهب , وما زالت الأحوال الشخصية وكثير من القوانين في بلادنا تستند إلى "قانون العائلة العثماني" أو "مجلة الأحكام العدلية" .

يبقى أن هذا المُدَّعى من " ان التجربة التاريخية للدولة العثمانية جعلت المذهب الحنفي الأكثر قابلية فقهية تكوينية لاستيعاب التعدد الديني والمذهبي..." إن صح فإنما كان على مستوى إضفاء شرعية على ما تحتاجه أفعال السلطان , التي كانت كما قلت إما إستجابة لحاجة داخلية او إستجابة لضغوط خارجية , وفي موارد دون أخرى , وقد نقضه الواقع على مستويي القابلية والإستيعاب مع الدولة العثمانية - ولا أقصد التعرض للمذهب الحنفي بذاته بعيدا عن تلازم بعض رجالاته مع الدولة -: أنظر إلى ما كتبه المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين المعاصر للدولة العثمانية في كتابه الفصول المهمة في تأليف الأمة سنة 1327 هجرية 1909 ميلادية الصفحة 143 من الطبعة السابعة 1977 عن تأثير الفقه الحنفي في قبول التعددية الذي تدعيه , وبعد المجازر التي ارتكبها العسكر العثماني بحق الشيعة في قرية نبل وغيرها من نواحي حلب إستنادا إلى فتوى الشيخ نوح الحنفي :

"... وقد اقتصرنا من ذلك (القول بتكفير الشيعة ) على ما وجدناه في باب الردة و التعزير من (كتاب) الفتاوى الحامدية وتنقيحها بإمضاء الشيخ نوح الحنفي لإشتهار هذين الكتابين ورجوع من بأيديهم منصب الفتوى في المملكة( العثمانية) المحروسة إليهما."

ودفعا لأي شبهة وتاكيدا على ارتباط الشيعة بالدولة العثمانية في اوطانهم كما تقدم عند المرحوم الشيخ علي الزين من عدم رغبتهم في نقض الولاء لها أنقل ما كتبه السيد شرف الدين في حاشية هذا الفصل التاسع :

"يعلم الناصب وغيره أن الشيعة والسنة في الخضوع للسلطان وعدمه على حد سواء , لأن من كان منهما في مملكته فهو مطيع بحكم الوجدان و العيان , ومن كان من كلا الطائفتين في ممالك الأجانب فهو ممنوع عن طاعته , واما شيعة إيران[3] فكأهل السنة في مراكش[4] وأفغان[5] فاي فرق بين الشيعة والسنة في هذا الأمر يا مسلمون؟."

وهكذا وبعيدا عن السياسة ثم إلى صلبها ألا يجب ان يحذر بعض المأخوذين بالموقف التركي من " عثمنته " إلى جانب حذر بعضهم الآخر من " صفوية " النظام الإيراني الذي يصدعون به ؟

الأمر الثالث , سؤال أين الهندوس؟

المواقع الثلاثة التي تحدث عنها جهاد الزين بغض النظرعن الأسماء والشخصيات هي التي يشهد المنتسبون إليها من المؤمنين بالديانات السماوية ما يقال عنه حراكا فكريا وسياسيا في مسألة دينية الدولة أو تعدديتها , والمساحات الجغرافية التي يعيشون فيها هي محاور الإشتباك أو التشابك لمصالح الدول ونفوذها في القرن الحالي والقادم ربما.

لكن أكثر الأديان والمذاهب الأخرى على مستوى العالم لا علاقة لها بالمسألة مباشرة ( إما لأنها لم تقدم رؤية مستقلة في المسألة أصلا كالبوذية , أو أن أتباعها لا يشكلون ديمغرافيا داخل دولهم حجما يسمح بإستدعاء نقاشها إن كانت تملك رؤيتها الخاصة كالمسلمين في الدول الغربية , أو أن الحراك الفكري السياسي بينهم لم يبلغها في حال وجود أكثرية ديمغرافية "الإباضية " في بعض الدول العربية مثلا ) وإن كان لها علاقة من جهة وقوع اتباعها تحت تأثير المواقف المتبناة لجهة الحرية الدينية فهو موضوع آخر يندرج في تفصيل البحث عن طبيعة " الدولة " .

نعم المسألة تعني اليهود أيضا وهي أكثر حدة في جانب إعتبار " اليهودية " قومية لا دينا فقط , وهي مدار نقاش داخلي بينهم من تجلياته "مسألة يهودية الدولة" , لذلك كان إستبعاد جهاد الزين لهم عن تركيبته مبررا حيث أن نقاشها يدور في الجزء المغتصب من العالم العربي والإسلامي وإن مقاربته - النقاش - لا تصح إلا من " محور " وهذا الحذر مشروع .

ونعم أيضا تتساوى مع "اليهودية" : "الهندوسية" في صورتها الجديدة المشكَّلة منذ قرن تقريبا , والتي يتبناها أكثر من حزب يدعو إلى تصفية الأقليات وتنقية الهند وإعلانها دولة هندوسية . ويواجهها علمانيون يرفضون الدولة الدينية ويديرون النقاش في المسألة إلى جانب المسلمين والمسيحيين وغيرهم . والهندوسية بهذا المعنى من حيث حجم اتباعها وحجم الهند نفسها في كل جوانبه تستحق أن تضم إلى الثلاثية .

والقول إن الهندوسية على هذه الصورة لا تعبر عن الدين نفسه الذي لايقدم فعلا تشريعا يستند إليه دعاة الدولة الدينية ,بل هي تعبير عن قومية متدينة - وهي حالة عنصرية - وينطبق أيضا على اليهودية , صحيح لكن حيث أن الواقع قد فرض حضور هذا الحراك في المجتمع الهندي قلت بإستحقاقها أن تضم إلى الثلاثية .

والسؤال موجه إلى الأستاذ جهاد الزين .




[1] وبوالده الدكتور حسن وبجده المرحوم الشيخ علي الزين أحد العلماء العامليين الأوفياء لتاريخهم والمجددين في أبحاثهم والمظلومين محليا وإقليميا .

[2] وأشدد على أنها تعقيب من التعقب لا أنها رد عليه - كما فرض على عنوان مقالة سابقة لي أحد زملائه - من حيث أنني ارى قابلية للتواصل مع الآخر المختلف بل والتوافق على مسائل ما يجعل "الرد عليه " كما هي حاجزا لم يقبل الله به لنفسه ولا الأنبياء ولا الأولياء.كما أن اللغة تقتتضي إضافة الرد إلى "الكلام" في مثل موقفنا لا على الإنسان نفسه فيقال ترادَّا في القول .

[3] كانوا تحت النفوذ البريطاني .

[4] تحت النفوذ الفرنسي .

[5] تحت النفوذ البريطاني .

الثلاثاء، يونيو 22، 2010

تعقيبا على مقالة جهاد الزين التوجهات الدينية الثلاثة لدعم " الدولة غير الدينية "[المقدمة و القسم الأول]


تعقيبا على مقالة جهاد الزين التوجهات الدينية الثلاثة لدعم " الدولة غير الدينية "[1]
" انها المرحلة التالية بدون لبس:
مرحلة دور أو أدوار التيارات المتدينة في عملية إعادة ما لفصل الدين عن الدولة.
"الدينيون الجدد" هم الذين يستطيعون في ظل الاكتساح الاصولي اعادة الاعتبار لفكرة الدولة غير الدينية.
هذا ليس زمن غير الدينيين في صناعة العلمانية الجديدة. هذا زمن الدينيين في اعادة "علمنة" الحياة السياسية. ومفاهيمها"
هكذا يختم الأستاذ جهاد الزين مقالته قبل سطرها الأخير, والتي فسَّرت لي- محليا - الإصرار والإلحاح الذي يمارسه بعض "الدينيين الشيعة" - خصوصا وغيرهم أيضا - على تناول نظرية ولاية الفقيه وكأنها مطروحة كبديل للنظام اللبناني , حيث أجهدني البحث عن فذلكة شخصية تدفع أحدهم ليدور على قواعد بعض القوى السياسية اللبنانية غير المسلمة أصلا, شارحا ومفندا ورافضا , أو لتقوم مجموعة منهم بزيارات إلى الولايات المتحدة والمشاركة في دورات بحثية يعودون بعدها لإقناعنا أنهم كانوا بصدد تقديم محاضرات في دورات عن التعايش والحرية والديمقراطية تبين للأميركيين ما ينبغي عليهم فهمه للتعامل مع الساحة اللبنانية .
والبحث عن فذلكة شخصية لباحث ما في قضية معيَّنة له مبرراته العلمية: فهي كما تعلَّمنا من أساتذتنا في دراسة منهجية البحث العلمي جزء أساسي على الباحث أن يقدمه في مخطط البحث لإقناع الأستاذ المشرف بالرضى بموضوع البحث العلمي الذي اختاره الباحث , من جهة ولإقناع المتلقي للبحث بأهمية الإطِّلاع عليه من جهة أخرى , وانا في القسم الأخير كنت لا أجد ما يقنعني بأهمية ما يقومون به .
الآن صار عندي - برأيي على الأقل - فذلكة غير سياسية استهلاكية تثير رغبتي بمتابعة ما يقوله هؤلاء الدينيون الشيعة في الموضوع الذي ذكرت.
وقد أرسلت للأستاذ جهاد الزين على بريده الإلكتروني في يومها تعقيباً أوليا ً على مقالته ووعدته بإستكماله إذا تم نشره وبانتظارإشارة منه أتريث قليلا قبل نشره في غير النهار. :
الأستاذ جهاد الزين المحترم
تستحق مقالتك مناقشة تفصيلية ومطوَّلة فأرجو أن يتسع صدركما انت والنهار لهذه المناقشة التي ستسير مع تقسيمك لها :
أولاً في الشخصيات :
عدم " وضوح المشهد على كونه حقيقيا وفاعلا " كان يقتضي منك التروي قبل إقحام " السيد علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى " في ثلاثية قلت عنها في مقدمة مقالك إنَّها "يمكن اعتبارها الآن، بل جعلها، قوة دفع فكرية وبالتالي سياسية، لبلورة شخصية "الدولة غير الدينية"
والفرق كبير يا أستاذ جهاد بين "الإعتبار" و"الجعل" في علم السياسة كما في علم أصول الفقه كما تعرف , وهذا الفرق هو السبب الأول الذي دفعني للرد على مقالتك لإنني لاحظت في تعبيرك السابق دعوتك لتوظيف سياسي لموقع آية الله العظمى السيد السيستاني في قالب فكري , ومقالتك تناقش في غرضها الأصلي كما في إستخداماتك الذكية لمعلوماتك المنظمة والموظفة جيدا لخدمة الغرض الأصلي وهو الدعوة إلى "الدولة غير الدينية" .
السبب الثاني المثير للإستغراب هو إنتقاء شخصية دينية سنية مثيرة للجدل في دولة تركيا وخارجها "دوناً عن" – كما يقول إخواننا المصريون - من يمكن إستخدامه في مشروعك الفكري السياسي كشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عضو الحزب الحاكم في دولة مصر التي تعترف ب "دولة إسرائيل" دون أن يكون الشيخ الطيب متورطا في إعطاء شرعية " إسلامية " لهذا الكيان كما يلتزم "الإمام فتح الله غولن" حسبما يسميه أتباعه وليس "الداعية " أو ما يفضله هو "معلم غير سياسي" " an apolitical teacher" فهو إبن المؤسسة الدينية التركية وليس متطفلا عليها .
ومنشأ الإستغراب هذا التوقيت المتقارب - قد يكون غير مقصود - بين مقالتك هذه وبين مقالة الوول ستريت جورنال التي تضمنت مقابلة معه في الرابع من الشهر الحالي حزيران تحت عنوان " إمام تركي معتزل ينتقد أسطول غزة " http://online.wsj.com/article/SB10001424052748704025304575284721280274694.html?mod=googlenews_wsj
والتي جاء فيها على لسانه عن أسطول الحرية رغم وصفه "ما شاهده بالبشع": " فشل المنظمين في السعي إلى اتفاق مع إسرائيل قبل محاولة ايصال المساعدات هو مؤشر على تحدي السلطة ، ولن يؤدي إلى مسائل مثمرة".
والتي يتطابق أكثر ما وصفته به مع نصها الإنكليزي لمحرر المقابلة - ربما صدفة - لكنك لم تلتفت - وأنصحك بقراءتها - خصوصا ما عبَّر به "غراهام فولر " ضابط السي آي أي السابق عن تناقض الولايات المتحدة في الموقف من "غولن" بحيث اضطر هو وثمانية وعشرون أمريكي آخرين إلى توجيه رسائل توصية ودعم لإبقائه في الولايات المتحدة بعدما كان مهددا بالترحيل جرَّاء تُهَم توظيف مالي وسياسي ناشئة عن ميل لدى بعض الجهات لدعم علمانيي تركيا اتباع اتاتورك كما رأى "فولر".
ثم إنَّ الرجل تعهد أمام السلطات الأميركية بعدم القيام بأي نشاط وقال في المقابلة إنه لا يوجه رسائل أو تعليمات بل يجيب على أسئلة غير سياسية فقط.
وإنَّ ما أوردته عنه صار من التاريخ وقد تجاوزه الأتراك اليوم حتى موضوع العلويين يا أستاذ جهاد منذ 2003 أعلن رجب طيب أردوغان أن العلوية ليست دينا والعلويون مسلمون والموضوع هو اليوم أداة سياسية بيد الإتحاد الأوروبي الذي اشترط مؤخرا على تركيا إلغاء خانة الديانة من الهوية التركية لرفع العقوبات التي كانت مقررة وفقا لدعوى لدى الإتحاد الأوروبي - سنصدقها بسذاجة - تقدم بها احد العلويين الأتراك لشطب خانة مسلم عن هويته وإستبدالها ب "علوي" وكانت السلطات التركية رفضت ذلك .
أقول لو التفتَّ إلى هذا الجانب من شخصية المعلم الثالث من ثلاثيتك هل تبقيه فيها او تفتش عن غيره ؟
أو هل تبقي "السيد السيستاني" فيها أم تفتش عن غيره؟
على أنَّ لي ثانيا وثالثا ورابعا في الشأن الإسلامي التركي وفي العلمانية الأميركية "الإيجابية" وفي البابا بنيدكتوس كلاما مفصَّلا في مقام آخر إن نشرتم هذا , مع خالص إحترامي . الشيخ علي حسن خازم - بيروت.



[1] - : التوجهات الدينية الثلاثة لدعم " الدولة غير الدينية ", النهار الجمعة 18 حزيران 2010 - , السنة 77 - العدد 24077

الخميس، يونيو 17، 2010

شطب المذهب من سجلات قيد النفوس اللبنانية .. " أنتم في لبنان ولستم في السماء! "....تابع

كتبت عن مخاوف ومخاطر الخطوة التي نسميها بالدارج "دعسة ناقصة" التي أقدم عليها وزير الداخلية اللبنانية زياد بارود وقلت في صددها للبنانيين بتاريخ الخميس 17 صفر 1430هـ - 12 فبراير 2009م عبر هذه المدونة بالحرف الواحد :

"كونوا حسني النية ولكن لاترتبوا عليها أثرا عمليا إلا بعد إعمال عقولكم , وانتبهوا أنتم في لبنان ولستم في السماء!"

وفي عدد اليوم الخميس ١٧ حزيران ٢٠١٠ طالعتنا جريدة الأخبار بالعنوان التالي : " الدولة تحذّر من مضارّ شطب المذهب "

http://al-akhbar.com/ar/node/194139

وفيه نماذج عن المشاكل الإجرائية التي واجهت وتواجه الذين قاموا بشطب مذهبهم , التي توقعناها ووعد الوزير بحلها فأدخل مجموعة من اللبنانيين في حيص بيص الإرتجال وهذه إعادة لما نشرته عن الموضوع :

الجمعة، فبراير 13، 2009

تعليقا على موضوع : " اللبنانيون سعداء بقرار حكومي يسمح لهم بإخفاء هويتهم المذهبية"

فرقعة إعلانية زعمتها إحدى الفضائيات العربية فيما الكثيرون من اللبنانيين فاجأهم الخبر وغالبيتهم لم يعرفوا مفاعيله فضلا عن أن يسعدوا به وهذه جملة من الملاحظات حوله :

أولا : إن ذكر طائفة أو مذهب اللبناني لايظهران إلا على سجلات قيد النفوس ( الفردية والعائلية ) وبالتالي فإنهما يظهران على نموذج إخراج القيد الذي يطلبه المواطن لتقديمه الى الجهات المعنية التي تصر عليه في لبنان: لبنانية كانت أو أجنبية ,حتى للإستحصال على فيزا عربية أو غربية فلا تكتفي السفارات ببطاقة الهوية أو جواز السفر اللذان لا يوجد عليهما خانة للدين أو المذهب.

ثانيا : اين هو الإنجاز في هذه الخطوة وبديلها بسيط : الإمتناع عن تقديم اخراج القيد أو إصدار قانون بإلزام الجهات المعنية التي لامبرر لديها للتعرف على مذهب الشخص بالإكتفاء ببطاقة الهوية أو جواز السفر كالسفارات مثلا عربية وأجنبية.

ثالثا : أين هو العيب في إبراز دين الشخص أو مذهبه إلا أن يكون الشخص نفسه يتعيب من دينه ومذهبه الموروث واذا كان الأمر كذلك فهي مشكلته.لأن الطرف المقابل إن كان طائفيا فلن يصعب عليه معرفة ذلك من اسم عائلته وبلدته.

رابعا : كما قال الوزير بهيج طبارة " إنَّه (القرار) يطرح بالمقابل إشكاليات عديدة على مستوى التطبيق، فهو لا يسري على المرشحين للانتخابات النيابية، ولا التعيينات الإدارية ، ولا على الزواج ، ولا على الإرث " .

خامسا : المشاكل الإجتماعية في لبنان كثيرة ومتنوعة واللبنانيون من كل الطوائف ضحاياها دون استثناء وهي أعقد وأبعد عن أن تحل بالفرقعات الإعلانية .

سادسا : إن المشكلة الحقيقية هنا تكمن في التعصب نفسه وهذا مظهر جديد له فالتعصب لادين له والإنجاز الجديد إيجاد متعصبين ضد ذكر الدين في إخراج القيد ....هكذا وبكل بساطة سينتقل اللبنانيون الى خلاف سخيف جديد وينسون الفقر والمرض والتعليم وفرص العمل التي تسوي بينهم حقيقة.

سابعا : يقال في ضرب المثل الفرنسي : "إن أعماق جهنم مملؤة بالأشخاص حسني النية" فيما نعرف في تراثنا الإسلامي أنه إذا ساء الزمان فسؤ الظن من محاسن الفطن , ولنذكر بعض ما يدعوا الى الريبة في خلفيات هذا القرار:

أ - لبنان قادم بناء لطلب من الهيئات الدولية على إنجاز إحصاء سكاني رسمي يلغي كل التكهنات الرقمية والمبالغات فلماذا يستبعد أن يكون هذا القرار استباقا للنتائج؟

ب - يجري الإعداد لتحريك مشروع إقرار الزواج المدني الإختياري برلمانيا , وكانت ثمة دعوة لتنفيذ مرحلة تجريبية أوضحنا مخاطرها في حينه وأنها من الألاعيب السياسية اللبنانية الممجوجة على طريقة فرض الأمر الواقع , وهي من الألاعيب القاتلة هنا لأنها تتعلق بالحياة الزوجية ومفاعيلها على أجيال يحرم التجريب بمستقبلهم إرضاء لشهوات وأمزجة بعض الأشخاص .

ج - للتذكيرفقط فإن الطوائف المسيحية في لبنان تملك سجلات نفوس خاصة بها تحت عنوان تسجيل عمادة الأطفال(تنصيرهم وفقا للطقوس الكنسية الخاصة بكل طائفة ) أو التزويج والوفيات ويرجع إلى هذه السجلات في حالات معينة مثلا عندما ينتقل أحد المسيحيين الى الدين الإسلامي فإنه لا يتم شطبه منها وتترك الفرصة لإستعادة أبنائه لاحقا وبحسب ما نعرفه فإن إرثه من أهله يبقى معلقا على عودته أو عودة أحد أبنائه .

كونوا حسني النية ولكن لاترتبوا عليها أثرا عمليا إلا بعد إعمال عقولكم , وانتبهوا أنتم في لبنان ولستم في السماء!

الخميس 17 صفر 1430هـ - 12 فبراير 2009م

الاثنين، أبريل 13، 2009

تعقيبا على المنشور في الجمعة، فبراير 13، 2009 عن شطب القيد الطائفي

ذكرت في المقالة المذكورة "بعض ما يدعوا الى الريبة في خلفيات هذا القرار:

أ - لبنان قادم بناء لطلب من الهيئات الدولية على إنجاز إحصاء سكاني رسمي يلغي كل التكهنات الرقمية والمبالغات فلماذا يستبعد أن يكون هذا القرار استباقا للنتائج؟

ب - يجري الإعداد لتحريك مشروع إقرار الزواج المدني الإختياري برلمانيا , وكانت ثمة دعوة لتنفيذ مرحلة تجريبية أوضحنا مخاطرها في حينه وأنها من الألاعيب السياسية اللبنانية الممجوجة على طريقة فرض الأمر الواقع , وهي من الألاعيب القاتلة هنا لأنها تتعلق بالحياة الزوجية ومفاعيلها على أجيال يحرم التجريب بمستقبلهم إرضاء لشهوات وأمزجة بعض الأشخاص ."

وها هو الوزير المحبوب الدستوري جدا والعلماني جدا يكشف ما كان مستورا , ويحدد النقاط التي كان يخطط لوضعها موضع الإحراج القانوني ما يدفع لاستصدار تشريعات جديدة بتأثير لعبة الأمر الواقع التي حذرت منها سابقا وإليكم نصه الكامل مع الشباب من الوكالة الوطنية للآنباء:

11/04/09 14:48 سياسة - الوزير بارود التقى عددا من الشباب طلبوا شطب طائفتهم عن سجل القيد: هذا الموضوع لا يستهدف الطوائف ولا الانتماء الديني بل بالعكس يعزز حرية الانتماء اعددنا مشروع قانون حول النسبية في الانتخابات الطالبية كمدخل لادخالها في الاذهان وطنية - 11/4/2009

تجمع عدد كبير من الشباب والشابات امام حديقة الصنائع مقابل وزارة الداخلية، استنكارا للحرب الاهلية وتحت شعار "لازم تبقى تنذكر تما تنعاد" ورفضا للطائفية، بدعوة من قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني ولجنة اهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان ونادي اصدقاء صوت الشعب واحياء لذكرى الحرب الاهلية.

وقد ملأ المعتصمون استمارة لشطب الطائفة عن سجل القيد، رافعين اللافتات التي تدعو الى اعتماد قانون مدني للاحوال الشخصية، كما علقوا على سور الحديقة عددا كبيرا من الصور والشعارات التي تستعيد ذكرى الحرب الاهلية بعد مرور 34 عاما. وبعد مرور اكثر من ساعة على التجمع، توجه وفد من المشاركين الى وزارة الداخلية والتقى الوزير زياد بارود لاطلاعه على الخطوة التي تمت اليوم .

الوزير بارود

وقال الوزير بارود: "نستقبل اليوم الشباب الذين يتابعون موضوعا كان بدأ منذ سنوات طويلة مع ابائهم واجدادهم، وكان من الممكن ان يتمكن اجدادهم من ان يطلبوا شطب القيد الطائفي او عدم التصريح عنه منذ الثلاثينات، والمستغرب ان نبقى حتى 2009 لكي نتمكن من ان نقوم بهذا الامر".

واضاف: "اريد ان اوضح بطريقة لا لبس فيهاان هذا التدبير كان تعميما قد صدر عن وزير الداخلية العام 2009 تعميما وليس قرارا ولا مرسوما صادرا عن مجلس الوزراء ولا قانونا صادرا عن مجلس النواب تعميما يقضي بتطبيق القانون وتطبيق حرية المعتقد الذي نصت عليه المادة التاسعة من الدستور اللبناني، وهذا التدبير ليس ضد الطوائف ولا ضد حرية الانتماء، بالعكس هو تعزيز للانتماء وكما يريد الشخص، وبالتالي هذا الموضوع لا يلغي الانتماء الطائفي كما حاول البعض تصويره اطلاقا، هذا الموضوع يكتفي ان يقول الذي لا يريد ان يصرح عن قيده الطائفي او الذي يريد ان يشطب هذا التصريح او يشطب القيد الطائفي عن سجلاته نعطيه هذه الامكانية، وهذا لا يلغي انتماءه لطائفته بل يمكن ان يستمر منتميا الى طائفته او لا كما هو يريد، انما هذا يعزز حرية الانتماء والمعتقد، ويعزز تطبيق قوانيننا ودستورنا في شكل اساسي. فالمادة التاسعة من الدستور تقول "ان حرية المعتقد مطلقة".

لا اعتقد ان هناك تحديدا لاي معتقد ولا تحديد لمقعد ديني دون غيره. ومن كل الحريات التي كفلها الدستور هذه الحرية الوحيدة التي اعطيت صفة الاطلاق فهي الوحيدة المذكورة على انها مطلقة والباقي كله حريات دستورية، ولكن لم تقترن بهذه الصفة.

المهم هذا التدبير هو في صلب تطبيق الدستور والقوانين وهو تدبير تأخر وكان يجب ان يتم منذ زمن، وهو من حق الناس ولا اقبل ان يصور وكأننااخترعنا شيئا جديدا، وانا كنت منسجما مع كل الحالة المطلبية التي كانت موجودة منذ عقود ولا تزال مستمرة، وهذه تلبية لطلب عمره سنوات طويلة من النضال وهناك من سبقنا اليه، وهذا جهد واضح للمركز المدني وجهود اخرى قديمة لاحزاب وقوى كانت تطالب بهذا الموضوع.

اذا هذا الموضوع لا يستهدف الطوائف ولا الانتماء الديني بل بالعكس يعزز حرية الانتماء".

واوضح "ان تطبيقه قديم منذ اللحظة الاولى الذي صدر فيها التعميم، وهناك مئات تقدموا بطلبات وقبلت طلباتهم".

وردا على سؤال حول وضع من يريد ان يترشح للانتخابات وقد اقدم على شطب الطائفة او المذهب عن سجله وكذلك الامر بالنسبة للمقترعين، اجاب: "هناك شقان: الشق المرتبط بالاقتراع والشق المرتبط بالترشح، على مستوى الناخبين لا مشكلة بتوزيع اقلام الناخبين، وللاسف اقلامنا موزعة طائفيا صحيح ونعمل على تغيير هذا الواقع، ولكن هذا الامر مرتبط ايضا بكل هيكلية الاحوال الشخصية ونظامه وفي الوقت نفسه هناك اقلام نسميها مختلف يمكن ان نضعها ضمنها، فمن شطب قيده الطائفي يمكنه ان ينتخب مثله مثل اي مواطن.

اما على مستوى الترشيح فقانون الانتخاب يوزع المقاعد في لبنان بحسب جدول وهو الجدول رقم واحد المرفق بالقانون بحسب الطوائف اي ان التوزيع في المناطق هو توزيع طائفي وهذا التوزيع يجعل من يتقدم للترشيح يقول انه يترشح عن المقعد الفلاني عن مقعد الطائفة الفلانية، لذلك راينا في السنوات السابقة اشخاصا علمانيين ينتمون بالمعنى الى المقعد الطائفي ترشحوا للانتخابات عن مقعد طائفة معينة.

ما كنت اتوقع حصوله في هذه الانتخابات ان عددا من الذين طلبوا شطب قيدهم الطائفي او الذين شطبوا حتى نكون قد سجلنا سابقة، وسنحاول ان نرى رد القانون وقد قلت للشباب المشكلة ليست عند الذي شطب قيده بل عند الذي سيتعاطى مع هذا الموضوع، وبالتالي الذي شطب قيده قام بما يسمح به الدستور والقوانين واذا كانت هناك مشكلة فهي ليست فيه بل عند من يدير هذه العملية، ولذلك كنت اتمنى ان تتقدم الترشيحات من قبل اشخاص طلبوا شطب قيدهم لنرى ما هو الجواب، علما ان عندنا مشكلة دستورية وهي المادة 24 التي تتحدث عن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين ونسبيا بين الطوائف، فبمجرد ان تذكرها تكون قد ابعدت فئتين خارج التمثيل،(غير المسجلين طائفيا واليهود , التوضيح مني - خازم )

والمزعج ان هناك نصا دستوريا يضمن ويكفل التمثيل للجميع فجئنا وقلنا ان الطائفة اليهودية اللبنانية هي خارج امكانية التمثيل، لذلك لا بد من اعادة النظر بهذه الامور لنرى فعلا اذا كان هذا البلد ضمن وحدته هناك تنوع ويجب ان يكون التنوع شاملا للجميع، وشمول الجميع يدخلنا في امور كثيرة هي النقطة التي ذكرتها وايضا النظام النسبي الذي لا بد واعتبارا من 8 حزيران 2009 يجب ان نبحث باليات جديدة لتعديل القانون والذهاب في اتجاه النسبية التي طالب الكثر بها والتي لاقت اهتماما جدا بها من قبل فخامة رئيس الجمهورية ودعما واضحا لها واعتقد انه يجب ان ندخل في مرحلة ثانية من البحث في هذا الموضوع".

وتابع: "يمكن ان اقول في هذه المناسبة، ان وزارة الداخلية اعدت مشروع قانون يلحظ النظام النسبي في الانتخابات الطالبية في الجامعات، وهذا سيكون مدخلا لادخال النسبية في الاذهان وجعلها مقبولة اكثر، فنكسر هذا الحاجز النفسي الذي يجعل الناس تقول ان النسبية حالة صعبة ولا تطبق فلنطبقها في الجامعات، وهنا تبدا السياسة والخيارات ونلغي في الوقت نفسه كل الاشكالات التي تحصل على مستوى الجامعات نتيجة عدم التمثيل الصحيح".

واضاف: "تبقى مواضيع اخرى تتعلق بالارث وبالحياة المدنية للشخص انما صعوباتها اعتقد انها تذلل بسهولة، وتنازع القوانين والاختصاصات الموجودة منذ عقود في لبنان لا اعتقد انها تستطيع ان تقف في وجهها حالة مستجدة مثل هذه تعطي للناس انطباعا انهم مواطنون بالدرجة الاولى، ويمكن ان تدخلنا الى اعادة البحث مجددا في موضوع الزواج المدني الاختياري الذي تاخر كثيرا في وقت بدولة مثل تونس التي اعتمدت منذ العام 1955 نظام الزواج المدني الالزامي، ونحن ما زلنا نبحث عن اختياري ولم نتمكن من الدخول اليه.

ومرة اخرى اقول انه ليس من قبل المواجهة مع احد لكن من قبل خيارات اما ان نحترم دستورنا عندما يتحدث عن حرية المعتقد واما نعدل الدستور ونقول ان دستورنا لا يسمح بحرية المعتقد ونصبح منسجمين مع واقعنا".

الوفد

واعطى الوزير بارود الكلام لاحد اعضاء الوفد الذي اكد :

"ان الخطوة هي تعبير عن الالتزام بمواطنيتنا وكل شخص يقدم على هذه الخطوة هي تاكيد انه يريد الدولة والمجتمع ان يتعاطوا معنا كمواطنين بغض النظر عن انتمائنا الديني لهذه الطائفة او تلك، وهو كما قال معالي الوزير ليست موجهة ضد الطوائف والدين، انما لا يكفينا ان ننتظر ونضع الحق على الطليان، فهذه خطوة يمكن القيام بها بمبادرة ذاتية من اي مواطن لبناني.

شميس

كما، تحدثت باسم الوفد مريم شميس، فقالت: "بعد يومين ذكرى الحرب الاهلية وهناك 17000 الف مفقود ويوم الاثنين سوف نضيء الشموع في هذه المناسبة، وذكرت ان اهلها ذهبوا بسبب الطائفية، واكدت "ان الخطوة التي تقوم بها هي تاسيس لاولادنا والاجيال القادمة حتى لا يصلوا الى المصير والجحيم الذي مررنا به"، وشكرت الوزير بارود قائلة "ان لا احد سبقك على هذه الخطوة". وتوجه الوزير بارود الى مكان تجمع المشاركين مقابل وزارة الداخلية واصطحب عددا ممن شطبوا قيدهم الطائفي الى دائرة الاحوال الشخصية، حيث تم شطب قيدهم الطائفي عن سجلات النفوس في دائرة بيروت.

راجع في المدونة :الزواج المدني في لبنان مشكلة وليس حلا

http://alsheikhalikhazem.blogspot.com/2009/02/blog-post.html

الأحد، يونيو 13، 2010

الشيخ علي خازم يلتقي الشيخ فيصل مولوي ويشارك في إفتتاح مؤتمر الدكتور فتحي يكن الدولي الأول في طرابلس




شارك الشيخ علي خازم مع الشيخ شريف الضاهر باسم تجمع العلماء المسلمين في لبنان في حفل افتتاح المؤتمر الدولي الأوّل عن الداعية الدكتور " فتحي يكن " يوم الجمعة الواقع في 11/6/2010 بمناسبة مرور سنة على وفاته بدعوة من جامعة الجنان و مؤسسة فتحي يكن الفكرية الإنسانية ، في قاعة المؤتمرات في الجامعة وبحضور كلّ من :
• الدكتورة منى حداد يكن زوجة الداعية فتحي يكن  و رئيسة جامعة الجنان
• رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري ممثلاً بالنائب الأستاذ قاسم عبد العزيز
• الرئيس نجيب ميقاتي
• مفتي الجمهورية اللبنانية ممثلاً بسماحة رئيس محكمة طرابلس الشرعية الشيخ سمير كمال الدين
• مفتي عام الجمهورية العربية السورية ممثلاً بالشيخ علاء الدين زعتري
• الأب جورج مسوح ممثلاً غبطة البطريرك هزيم
• الدكتور محمد الحلوة ممثلاً الوزير محمد الصفدي
• رئيس كتلة نواب الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد
• المرشد العام للأخوان المسلمين الدكتور محمد بديع ممثلاً بالدكتور محمد البلتاجي
• مفتي عكار الشيخ أسامة الرفاعي
• مفتي صور الشيخ حسن عبدالله ممثلا سماحة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان
• السيد محمد حسين رئيس زادة ممثلاً السفير الإيراني
• العميد الركن فيصل رشيد ممثل قائد الجيش في الجمهورية اللبنانية
• العقيد الركن محمد علم الدين ممثل مدير عام قوى الأمن الداخلي
• النقيب محمد باسم طوط ممثل عام أمن الدولة
• الأستاذ طوني ماروني ممثلاً العماد ميشال عون
• النائب السابق عبد المجيد الرافعي
• نائب رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الأستاذ عمر مسقاوي
• ممثّل عن الوزير سليمان فرنجية
• الأستاذ محمد أحمد ممثلاً السفير السوري
• قيادات جبهة العمل الإسلامي
• الشيخ علي القره داغي ممثلاً ضيف المؤتمر الشيخ يوسف القرضاوي
إضافةً إلى عدد من سفراء الدول العربية و ممثلين عن حركة حماس و الجهاد و الجماعة الإسلامية و حركة أمل .
وكان عريف الإحتفال الإعلامي الدكتور عزام التميمي.


وقد التقى الوفد بالمستشار الشيخ فيصل  مولوي الأمين العام السابق للجماعة الإسلامية وأسرته حيث إطمأنَّ إلى صحته نسأل الله له تمام العافية.

الأربعاء، يونيو 09، 2010

تعقيبا على مقالة : الديــــن والدولــــة لسماحة السيد محمد حسن الأمين من مؤتمر "الواقع السياسي والاجتماعي وآفاق التغيير.

تعقيبا على مقالة : الديــــن والدولــــة لسماحة السيد محمد حسن الأمين من مؤتمر "الواقع السياسي والاجتماعي وآفاق التغيير.
هذا التعقيب أرسل إلى جريدة النهار بتاريخ 9 - 6 - 2010  و نشر اليوم 14 - 6 - 2010  بتعديل العنوان من " تعقيبا على مقالة "إلى " رد على السيد"  وتعديل آخر طال عبارة في المقدمة صارت "ولإعتقادي أنَّ سماحته واحد من القلائل الذين يمكنك إعتبارهم في ما يعبِّرون عنه غير ناظر إلى توظيف مقولة،"  بدلا من قولي " ولإعتقادي أنَّ سماحته واحد من القلائل الذين يمكنك إعتبارهم في ما يعبِّرون عنه غير ناظر إلى توظيف مقوله فضلا عن أن يكون مقوله وظيفة ,ومن القلائل الذين يغووني بالنقاش مع حفظ المقام والإحترام "  وحذف النقطة الرابعة من تلخيصي لكلام سماحته :
"- قراءة في الواقع السياسي والاجتماعي في لبنان ودعوته إلى تجاوز مبدأ الطائفية السياسية، باعتباره شرطا لتحقق المواطنة، و شرطا لتحرير الدين نفسه ." واستبدالها ب "...إلخ " .

شكرا لجريدة النهار على النشر.

النص الكامل لمقالة سماحته :






الديــــن والدولــــة
يتسع عنوان (الدين والدولة) لبحث طويل ولجوانب متعددة من البحث لا يتسع لها مجال هذه المقاربة، لذلك سوف نقتصر على مناقشة مقولة شائعة حول الاسلام والدولة. وهي القول بأن (الاسلام دين ودولة). والحق ان هذه المقولة ليست قديمة، بل هي مقولة مستحدثة شاعت ابان انهيار الدولة العثمانية وسقوطها أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وذلك كأساس نظري لمشروع استعادة الكيان الاسلامي السياسي وهو اتجاه بين عدد من الاتجاهات في الاجابة عن سؤال:
ما العمل في مواجهة الواقع الناجم عن انهيار الكيان السياسي للمسلمين؟
نشأت ثلاثة اتجاهات رئيسية في الاجابة عن هذا السؤال:
احدها اتجاه الدعوة العلمانية، وهو الاتجاه الذي أخذت فيه الدولة التركية التي كانت مركز الامبراطورية الاسلامية.
الاتجاه الثاني، وهو يناقض الاول، هو الدعوة لعودة المسلمين الى دينهم، أي الى نهضة تستند الى أحكام الاسلام وقواعده في اقامة نظام جديد للاجتماع الاسلامي يبتعد كليا من النظم العربية العلمانية.
والاتجاه الثالث، ذهب الى النزعة الانتقائية في الدعوة الى نهضة ترتكز على القواعد الاسلامية بعد اصلاحها، وعلى الاخذ من الانظمة الغربية ما لا يتنافى مع القواعد الاسلامية.
وشاع بين مفكري الاتجاه الثاني، وبعض مفكري الاتجاه الثالث، أن الاسلام ليس دينا وحسب، انما هو دين ودولة في آن. وتعاظمت هذه المقولة بعد نشوء الاحزاب الاسلامية التي نادت بالعودة الى دولة الخلافة... ولكن هذه المقولة لم تقف عند الفريق القائل بعودة الخلافة، بل تجاوزته الى القائلين باقامة دولة اسلامية ولو في صورة اخرى غير صورة الخلافة، كالجمهورية الاسلامية مثلا.
إلامَ يستند القائلون بالدولة الاسلامية؟
يستند هؤلاء الى كون الاسلام عقيدة وشريعة في آن، وأن أحكام الاسلام لا بد من تطبيقها، وأن تطبيق الشريعة، أي أحكام الاسلام، لا يمكن اتمامها الا باقامة نظام، أي دولة اسلامية تقوم على تطبيق هذه الاحكام. ونحن بدورنا نوافق على ان الاسلام عقيدة وشريعة، لكننا لا نوافق على ان الاسلام دين ودولة، فالاسلام دين ودين فحسب، حتى لو كان يتضمن الشريعة، وهو شأن الهي منزل، اما الدولة فيه فشأن بشري يقيمه المجتمع، وتظل الدولة شأنا بشريا حتى لو تضمنت قوانينها بعض الشريعة او كل الشريعة، الا أن هذا لا يخرج بها عن كونها انجازا بشريا خاضعا للتغيير والتبديل والتطور.
ان تطبيق بعض الشريعة الاسلامية، او كلها لا يخرج الدولة عن كونها صيغة بشرية لا قداسة لها، وفي أحسن الحالات فانها لا تسمى دولة اسلامية، أي دينية، ولكن تمكن تسميتها بدولة المسلمين.

والدولة التي تتضمن بالضرورة مفهوم السلطة لا بد لها من شرعية، وتطبيق بعض الاحكام الاسلامية او كلها لا يمنح الدولة، أي السلطة، شرعيتها، وانما تأتي شرعية الدولة من الاتفاق عليها، أي من اختيار المجتمع لها.
فكون الدين مصدرا من مصادر التشريع في الدولة لا يخرج بالدولة عن كونها مدنية وليست دينية. نعم تخرج الدولة عن كونها مدنية عندما تتولى أمور الحكم والتشريع فيها طبقة من المجتمع تدعي لنفسها سلطة الهية دينية خارج ارادة المجتمع، ومثل هذه الدولة او السلطة عرفتها المجتمعات البشرية وسميت السلطة باسم الحق الالهي.
اننا ننفي أن تكون في الاسلام سلطة لأحد على أحد باسم الحق الالهي، فالناس سواسية في الحقوق والواجبات. ولكي يكون بعضهم في موقع السلطة وبعضهم في موقع الرعية فهذا أمر يحدده العقد الاجتماعي ما بين طرفين، أحدهما المجتمع والثاني أفراد من هذا المجتمع يتولون شأن السلطة فيه بناء على وكالة من الطرف الاول. فالسلطة لا يمكن ان تكون الا منتخبة ومحددة الصلاحيات.
ما بين سلطتين، احداهما اسلامية (بمعنى انها تطبق أحكام الاسلام)، ولكنها جاءت بواسطة انقلاب عسكري، والثانية مدنية غير دينية ولكنها جاءت من طريق الانتخاب الحر، أيهما تكون السلطة الشرعية؟
الجواب ان الثانية هي السلطة الشرعية الواجبة الطاعة، أما السلطة الاولى، ولو كانت اسلامية، فلا شرعية لها ولا تجب طاعتها.
ذلك لأن السلطة الثانية تتضمن العقد الضروري ما بين الحاكم والمحكوم، بينما الاولى تفتقد هذا العقد، وبالتالي لا شرعية لها.
ان من بين أهم ما ينقص المسلمين لكي يتقدموا كما تقدم الغرب هي شرعية السلطة لا اسلاميتها. فعندما تكون السلطة منتخبة بالوسائل المشروعة تكون اذذاك تعبيراً عن المحتوى الروحي والثقافي للأمة، بما فيه المحتوى الاسلامي بوصفه مكونا رئيسيا لمحتوى الامة الثقافي والروحي.
ان تاريخنا العربي والاسلامي لم تكن تنقصه انظمة الحكم الاسلامي، ولكن كانت السلطة فيه تفتقر الى الشرعية، اي الى كونها سلطة منتخبة. وعليه فان على دعاة الاصلاح في الاجتماع السياسي العربي والاسلامي الدعوة الى اقامة انظمة سياسية شرعية، اي منتخبة من الشعوب، اما محتوى هذه الانظمة من الزاوية العقائدية بين ان تكون اسلامية او علمانية فانه شأن آخر تحدده ارادة الشعوب.
وأما الدعوة الى اقامة الدولة الدينية فهي دعوة الى الدولة المستبدة، والاستبداد الديني هو أخطر أنواع الاستبداد لأنه يضفي على هذا الاستبداد قداسة الدين نفسه، فيصبح الخروج على سياسة السلطة خروجا على الدين نفسه، وهذا ما لا يستقيم مع بشرية السلطة وكون سياستها عرضة للخطأ والصواب.
بالتطرق الى الواقع السياسي والاجتماعي في لبنان فنحن في نظامنا السياسي لسنا في دولة دينية، كما ان نظامنا السياسي ليس مدنيا بالكامل، انه نظام علماني طائفي في آن واحد.
ان نظامنا السياسي لا يحتمل فكرة الدولة الدينية، حتى في حدها المخفف أي دولة مسلمين أو مسيحيين، بل لا بد من ان تكون الدولة دولة مسلمين ومسيحيين معا، اي دولة لا دين لها، وان يسود فيها نظام المواطنة. ولهذا يستدعي السعي التدريجي لالغاء الطائفية كما ورد في دستور الطائف بحيث يأتي الغاء الطائفية بجرعات محددة تمكن اللبنانيين من تجاوزها من دون الاصطدام بها.
وأخيرا أود أن أقرر ان التنوع الديني في لبنان يشكل مصدر غنى حقيقي للاجتماع السياسي في لبنان، ولكننا، رغم ذلك، نكاد لا نلمس الآثار الايجابية لهذا التنوع والغنى بالقدر الذي نطمح اليه، لا بل يمكن القول ان هذا التنوع كان مصدرا للخوف بسبب الانتظام الطائفي والعلاقة التنافسية ما بين الطوائف.
ان تجاوز الطائفية السياسية، عدا كونه شرطا لتحقق المواطنة، فانه شرط لتحرير الدين نفسه، بحيث يغدو الاسلام – وتغدو المسيحية – دينا ملهما بهدف السمو بالحياة المشتركة بما ينسجم مع المضامين الروحية والثقافية للأديان السماوية.
(•) من مؤتمر "الواقع السياسي والاجتماعي وآفاق التغيير".
بقلم السيد محمد حسن الأمين

التعقيب :

قرأت في جريدة النهار 7/6/2010 مقالة سماحة السيد محمد حسن الأمين في مؤتمر"الواقع السياسي والاجتماعي وآفاق التغيير". وهي تتناول مسائل
- متابعة تاريخية لمقولة "الإسلام دين ودولة" .
- فقدان الشرعية للسلطات التي حكمت عالمنا العربي والإسلامي.
- إعتبار الدعوة الى اقامة الدولة الدينية دعوة الى الدولة المستبدة .
- قراءة في الواقع السياسي والاجتماعي في لبنان ودعوته إلى تجاوز مبدأ الطائفية السياسية، باعتباره شرطا لتحقق المواطنة، و شرطا لتحرير الدين نفسه .
ولإعتقادي أنَّ سماحته واحد من القلائل الذين يمكنك إعتبارهم في ما يعبِّرون عنه غير ناظر إلى توظيف مقوله فضلا عن أن يكون مقوله وظيفة ,ومن القلائل الذين يغووني بالنقاش مع حفظ المقام والإحترام فإنني أجد نفسي مستغنياً في مناقشته ومستفيدا, جاعلا كلامه بين مزدوجين:
في المسألة الأولى :
قال : "ان هذه المقولة ليست قديمة، بل هي مقولة مستحدثة شاعت ابان انهيار الدولة العثمانية وسقوطها أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وذلك كأساس نظري لمشروع استعادة الكيان الاسلامي السياسي وهو اتجاه بين عدد من الاتجاهات في الاجابة عن سؤال:
ما العمل في مواجهة الواقع الناجم عن انهيار الكيان السياسي للمسلمين؟"
أولا : إن كون المقولة حديثة لايعني شيئا في مناقشتها إلا ان تريد جعلها (حداثة المقولة) بديهة في ذهن القارئ يرد بها الشبهة التي يصورها البعض عن وجود الدولة ونظام الحكم في الإسلام وعدمه , وفي هذا إغراء بالجهل للقراء وحاشاك .
ثانيا : إنَّ ما ذهبت إليه من جعل "اتجاه الدعوة العلمانية، وهو الاتجاه الذي أخذت فيه الدولة التركية التي كانت مركز الامبراطورية الاسلامية". جوابا على سؤال "ما العمل في مواجهة الواقع الناجم عن انهيار الكيان السياسي للمسلمين؟" سهو لإن صناعة الدولة العلمانية في تركيا وصناَّعها سبب إسقاط الكيان السياسي للمسلمين وليس جوابا منهم .
ثالثا : إنَّ الروح الوحدوية التي تملكها - وأعمل بها - لا يمكن لها أن تسمح بتجاوز الروح العلمية فالمناقشة باستبعاد الإتجاه الشيعي ( الإمامي كما الزيدي) لا يستقيم معها بحث , نعم القضية كما طرحتها هي قضية الإتجاه السني الذي لايزال يعاني من تعدد في الرؤى حول الدولة الإسلامية لتبنيه أكثر من رأي في قضية كلامية هي قضية الإمامة وتأثيرها في المذهب السياسي إلا أن تستبعد بنفسك نظام الإمامة . فحتى أطروحة الإمام شمس الدين رحمه الله "ولاية الأمة" أو أطروحة آية الله العظمى السيد فضل الله "دولة الإنسان" وهي أقرب إلى مشربك لم تكن ناظرة إلى الماضي بل هي في صدد إيجاد مشترك إنساني بين المسلمين في غياب الإمام المهدي من جهة والحاجة إلى الدولة من جهة أخرى ومقابل بعض الفقهاء الذين اتجهوا إلى إهمال شأن الناس نتيجة ما تعرفه من آراء, فضلا عن كونها مقابل أطروحة ولاية الفقيه .
وإنَّ قولك "نوافق على ان الاسلام عقيدة وشريعة، لكننا لا نوافق على ان الاسلام دين ودولة، فالاسلام دين ودين فحسب، حتى لو كان يتضمن الشريعة، وهو شأن الهي منزل، اما الدولة فيه فشأن بشري يقيمه المجتمع، وتظل الدولة شأنا بشريا حتى لو تضمنت قوانينها بعض الشريعة او كل الشريعة، الا أن هذا لا يخرج بها عن كونها انجازا بشريا خاضعا للتغيير والتبديل والتطور.
ان تطبيق بعض الشريعة الاسلامية، او كلها لا يخرج الدولة عن كونها صيغة بشرية لا قداسة لها، وفي أحسن الحالات فانها لا تسمى دولة اسلامية، أي دينية، ولكن تمكن تسميتها بدولة المسلمين."
هو محاولة للتخلص من المقابلة بين الدولة المدنية والدولة الدينية بالمعنى الخاص الذي وجد عند بعض المسلمين أو بالمعنى الخاص عند المسيحيين الغربيين خصوصا والذين لجأوا إلى العلمنة وحاصروا الدين ولكنني أسألك أين هم دعاة الدولة الدينية بهذا المعنى بين المسلمين إلا إذا أعدتني إلى نغمة الخوف من النوايا وهو خوف مبرر أيضا من الدولة المدنية طالما إننا نتحدث عن الإستبداد كفعل بشري.
وبكل الأحوال فإن النقاش في الساحة السنية بهذا الخصوص قد عبرت عنه محاورة الدكتور جابر عصفور في مقالته :"الاسلام دين ودولة مساءلة شعار" : http://www.islamonline.net/arabic/arts/2007/08/03.pdf
والدكتور محمد سليم العوا في مقالته : "الاسلام دين ودولة مساءلة مقال":
http://www.islamonline.net/arabic/arts/2007/08/04.pdf
على صفحات مجلة وجهات نظر في العددين (101و102) في يونيو ويوليو 2007، وكفانا الدكتور العوا مؤونة المقابلة الظالمة بين الدولة الدينية والدولة المدنية بالموافقة على أن الدولة الإسلامية هي بطبيعتها دولة مدنية لأنها دولة قانون , وهي كذلك عند الشيعة بغياب المعصوم لكن يبقى إختلافنا معك حول المرجعية الفكرية لهذه الدولة وهي النقطة الجوهرية التي استدعت السؤال عن الشرعية في الفرضيتين كما تقدمت بهما بعد نفي سلطنة احد على أحد فإنهما أمران يحتاجان إلى تقييد وتدقيق قلت:
"اننا ننفي أن تكون في الاسلام سلطة لأحد على أحد باسم الحق الالهي، فالناس سواسية في الحقوق والواجبات. ولكي يكون بعضهم في موقع السلطة وبعضهم في موقع الرعية فهذا أمر يحدده العقد الاجتماعي ما بين طرفين، أحدهما المجتمع والثاني أفراد من هذا المجتمع يتولون شأن السلطة فيه بناء على وكالة من الطرف الاول. فالسلطة لا يمكن ان تكون الا منتخبة ومحددة الصلاحيات.
ما بين سلطتين، احداهما اسلامية (بمعنى انها تطبق أحكام الاسلام)، ولكنها جاءت بواسطة انقلاب عسكري، والثانية مدنية غير دينية ولكنها جاءت من طريق الانتخاب الحر، أيهما تكون السلطة الشرعية؟
الجواب ان الثانية هي السلطة الشرعية الواجبة الطاعة، أما السلطة الاولى، ولو كانت اسلامية، فلا شرعية لها ولا تجب طاعتها.
ذلك لأن السلطة الثانية تتضمن العقد الضروري ما بين الحاكم والمحكوم، بينما الاولى تفتقد هذا العقد، وبالتالي لا شرعية لها."
هذا الإشكال يتجه إلى من إدَّعى بعد الوصول إلى السلطة بالشورى, عدم جواز الخروج منها بالإستقالة أو الإقالة , وإلى من قال بشرعية إمارة الغلبة ولم يجوِّز الخروج على الحاكم بغير ما أنزل الله وبالتالي فإنك ما زلت تناقش في ساحة واحدة وتعمم النتائج على ساحات أخرى وهو كما ترى.
أضف إلى ذلك إن الواقع السياسي القائم اليوم في عالمنا الإسلامي هو عموما سلطة أمر واقع فهل ثمة مجال للمغامرة بإعلان فقدان هذه الأنظمة للشرعية دون الوقوع في فخ الدعوة لإسقاطها والإصطفاف إلى جانب طالبان والقاعدة؟ أو إلى جانب أميركا والغرب؟
وكيف يمكنك تفسير وقوفك مدافعا عن رمز وعن نظام فاقد للشرعية سابقا وعن نظام استبدادي لاحقا دون غيرهما من الأنظمة الفاقدة للشرعية ؟
أقول هذا الكلام لأن وصفك الدولة الدينية بالمستبدة بلا استثناء فيه لا لما وقع ولا لما يقع يحمل تناقضا يصعب حله ويصنفك في خانة الذين يقولون بأن دولة النبي صلى الله عليه وآله نفسها لم تكن دولة دينية ليدفعوا عنها الاستبدادية ثم ليقعوا في المحظور وهو أنَّ دولة القانون هي الدولة العادلة فيرفضون وترفض معهم الدعوة إلى الدولة الدينية بوصفك لها أنها الدولة التي تدعي الحق الإلهي بالسلطة و ترفضون حتى دولة تستند إلى التشريع الإسلامي وهو ما يبدوا ظاهرا من نصك على إستبعاد طبقة تحتكر التشريع فمنذ متى وجدتم في الإسلام أو في غيره سلطة تشريعية للشعب , في كل الأمم يفوض التشريع إلى اهله أما طريقة إختيارهم ومرجعياته فهي شان آخر وهي محل البحث في أنها قضية خلافية بين السنة والشيعة وداخل الإتجاهين والبحث عن مخرج مشترك هو المطلوب لا البحث عن مهرب مشترك .
ثم يا سيدنا وبكل بساطة إن الوصف بالإستبداد يقع على الفعل البشري ولا معنى حينئذ لربطه حصرا بالدولة الدينية بدعوى التقديس للسلطان الإلهي المدَّعى لأنَّه بهذا المعنى أيضا خارج عن ساحة التشيع لأنَّهم لايقولون بالتصويب في أقوال المجتهدين بل لا معنى لربط فعل التقديس بالمتدينين خصوصا فإن التقديس للعلمانية أدَّى ويؤدي إلى أكثر من الإستبداد وهو شأن داخلي في الدولة, فقد شاهدنا التقديس للِّيبرالية الذي أحيا الإستعمار المباشر كما ترى في أفغانستان والعراق والصومال وغيرها...
ثم أية قيمة ومعنى لإختيار الناس وقد رأيت كما رأينا الإنقضاض على خيارالناس في الجزائر بدعوى انه لا تصح نتائج انتخابات ديمقراطية -إذا ما تذكر معي جيداً – ولا تصير شرعية إذا ادت إلى خوف على الديمقراطية فحوكم الإتجاه الإسلامي وحكم عليه إفتراضيا وكانت دماء الجزائريين رخيصة فدى لخوف فلان وفلان من إمكانية الإنقضاض على الديمقراطية بالديمقراطية.
أما ما أعرفه عنك من تقديس للحرية فتراه قد غاب عن نصك والحال أنه كان الأكثر إلحاحا في جعله مقابلا للاستبداد .
رابعا , وقوفا عند قولك : "ان تجاوز الطائفية السياسية، عدا كونه شرطا لتحقق المواطنة، فانه شرط لتحرير الدين نفسه، بحيث يغدو الاسلام – وتغدو المسيحية – دينا ملهما بهدف السمو بالحياة المشتركة بما ينسجم مع المضامين الروحية والثقافية للأديان السماوية"
فإنَّه لا يعتبر حلا واقعيا لأزمتنا "في لبنان فنحن في نظامنا السياسي لسنا في دولة دينية، كما ان نظامنا السياسي ليس مدنيا بالكامل، انه نظام علماني طائفي في آن واحد.
ان نظامنا السياسي لا يحتمل فكرة الدولة الدينية، حتى في حدها المخفف أي دولة مسلمين أو مسيحيين"
ولذلك كان الحل في الديمقراطية التوافقية منذ الانتداب والدستور الأول وكانت بعض الطوائف المعترضة اليوم عبر بعض رموزها راضية به أو على الأقل ساكتة عنه ما دام يؤمن لها مصالحها , حتى إذا انقلبت الموازين وبدأت تخسر لصالح طوائف بل طائفة محددة يجري الإنقلاب على الديمقراطية التوافقية وترفض الديمقراطية العددية والأكثرية ويتمسك بالنظام الطائفي مع دعوات إلى تهجينه بما يفقد حقوقا مستجدة لطوائف ويحفظ بل يؤمن حقوقا جديدة لطوائف لم تعد في مواقعها السابقة.
وأستغرب منك أن تردد النغمة الرتيبة "السعي التدريجي لالغاء الطائفية كما ورد في دستور الطائف بحيث يأتي الغاء الطائفية بجرعات محددة تمكن اللبنانيين من تجاوزها من دون الاصطدام بها".
او بتعبير آخر إلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص....
يا سيدي إنَّ "السمو بالحياة المشتركة بما ينسجم مع المضامين الروحية والثقافية للأديان السماوية" لايتعارض مع بناء الدولة ولكنه في نفس الوقت لا يقيمها, وإذا إتفقنا على أنَّ الأصلح للبنان هو دولة مواطنة وأنَّ الأديان لاتتناقض معها وأنَّ الناس تحتاجها , فلماذا التاخير ولمصلحة من ؟
وإذا كان رجال الدين معها والسياسيون معها , والسلطة معها والمعارضة معها فمن هو المستبد الذي يمنعها من القيام؟
الشيخ علي حسن خازم بيروت في 7/6/2010

الإمام علي (ع) وأثره في التصوف العملي


الشيخ علي خازم
مؤتمر نهج البلاغة والفكر الإنساني المعاصر , دمشق ,1414 هجرية / 1993 ميلادية.
إختلف المؤرخون للتصوف الإسلامي في مصادره التي انطلق منها، هل هي الكتاب و السّنة و سيرة الصحابة، أم هي مصادر وافدة: هندية و مسيحية...الخ.
واختلفوا في موافقة ما ذهبت إليه الصوفية لللإسلام او خروجه عنه، ومما قاسوا عليه في هذا المجال اقوال و مذاهب كان لبعضها حظ في الإنتشار في المجتمع الإسلامي وبعض دون ذلك.
و لعل أبرز ما اختلف فيه في هذا المجال هو علاقة التصوف بالتشيّع لعلي بن أبي طالب عليه السلام. و لئن عمل أكثر علماء الشيعة الاثني عشرية على إدانة التصوف من حيث هو طريق مختَرَع للسموّ الرّوحي والعلاقة بالله عزَّ و جلّ- لا من حيث غايته - فإن مذهب من رأى علاقة ما بين التصوّف و التشيّع قد ركّز على إعتبار أمير المؤمنين المعين الذي صدر عنه الصوفيّة في مشربهم درجة أولى، ثم حاول أن يوفِّق بين بعض مقالات الصوفيّة و بين بعض مقالات الشيعة لعلي بن أبي طالب على أيّ نحو كان هذا التشيّع.
و إذا استطعنا فهم هذا التوفيق من حيث ابتنائه على إعتبار التصوّف و التشيّع متقابلين كاتجاهين بغض النظر عن الاختلافات الداخلية فيهما، وهو أمر يبعد عن الموضوعية، فإننا نحتار في فهم الشدّة و القسوة لدى بعض الباحثين من حيث الإصرار في اتجاههم على نفي كل علاقة لعلي عليه السلام بالتصوّف و من أن يُعدّ مؤثراً في حدوث الإتجاه الصوفيّ.
إنتساب الصّوفيّة لعلي عليه السلام:
إن الحكم بعدم مشروعية السلوك الصوفيّ يرجع إلى إعتباره تشريعاً لم يأت أصحابه بدليل صحيح عليه من الكتاب و السّنة ، فضلاً عمّا أدّى إليه في مراحله المتأخرة من توهّم الحلول والإتحاد، فهو إذاً إختراع محض. و هذا الإعتراض هو جوهر إشكال علماء المسلمين على الصّوفيّة.
وإذا قٌبلَ هذا الإعتراض كمادة أساسية في نقاش دعاوى الصوفية فإننا لا نستطيع دفع جوانب أخرى ساهمت في تشكيل هذا الإتجاه الروحي بين المسلمين، ومن أهمّ هذه الحوانب كما يدّعيها المؤرخون: الزّهد و الفتوة وهم يعدّون الإمام علي بن أبي طالب رأس سلسلة إسنادهم والمؤثر الأهم، وهذا التأثير ليس محكوماً به استنباطاً فقط ، بل هو مما أقَرَّ به كبار الصّوفيّة ونقل عنهم حتى اشتهر.
ذكر ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة:
" ومن العلوم علم الطريقة و الحقيقة وأحوال التّصوّف، وقد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون وعنده يقفون وقد صرَّح بذلك الشبلي والجنيد وسري وأبو زيد البسطامي وأبو محفوظ معروف الكرخي وغيرهم و يكفيك دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم حتى اليوم و كونهم يسندونها إليه عليه السلام".
كذلك في الفتوة فإننا ننقل عن ابن أبي الحديد:
" وما أقول في رجلٍ أحبَّ كل أحد أن يتكثَّر به، وودَّ كل أحد أن يتجمّل و يتحسَّن بالإنتساب إليه حتى في الفتوة التي أحسن ما قيل في حدها" أن لا تستحسن من نفسك ما تستقبحه من غيرك" ، فإنّ أربابها نسبوا أنفسهم إليه و صنّفوا في ذلك كتباً، وجعلوا لذلك إسناداً أنهوه إليه، وقصروه عليه، و سمّوه سيّد الفتيان، و عضدوا مذهبهم بالبيت المشهور المروي أنَّه سُمع من السماء يوم أُحُد: "لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي".
نعم، قد يؤخذ على الفتوة كما يؤخذ على غيرها خروجها عن الإسلام و أحكامه في موارد متعددة، ولكننا لا نرى مبرراً لمن يذهب إلى دفع الزهد العلوي من أن يكون ملهماً للزهد عند من أتوا بعده، أو فتوته عليه السلام أن تكون مصدراً للفتوة اللاحقة غير كون هؤلاء يقرؤون التاريخ محاكمبن و مقدسين، وبمعنى آخر إنهم ينفون عن "الصّوفيّة" و "الفتيان" حق الإنتساب لعلي عليه السلام، متناسين وجود اتجاهات منحرفة كثيرة بلغت حدَّ الغلوّ فيه دون أن تُسئ إليه أو إلى أتباعِه و شيعته المخلصين له، وقد يكون منشأ الإنحراف دخيلاً على جماعة تأسست في صورة معتدلة أول نشوئها.
نزاع و محاكمة:
إننا في موضع المحاكمة لهذين الإتجاهين: الزهد و الفتوة نستطيع أن نرسم حدودهما العلويّة لنُخرِج كل الإنحرافات و الشطحات عن دائرة ساحته عليه السلام، ويمكن لنا أن نشكك في صحة السند المعنعن في إلباس الخرقة عند الصّوفية، أو إلباس السروال عند الفتيان وما إليها من تفاصيل عملية ونظرية وفي إيصال هذا الشك إلى منتهاه الإثباتي نفياً كفاية لتبرئة ساحة من يحق لهم الإنتساب والتشيّع لعلي مما يدَّعى بحقِّهم زوراً وجهلاً.
إنّ الحدّة في طرفي إشكالية العلاقة بين التّصوّف والتشيّع قد نشأت من إصرار المدّعين على حمل كل ما ورد في الإتجاه الصّوفيّ ونظرياته على مذهب الشيعة بعنوان موالاة علي مطلقاً، واقتناص لآراء لم يتبنّها أكثر من أصحابها ممن انتسب إلى التشيع لتكون دليلاً على ما اتجهوا إليه.
وفي المقابل، استند الطرف المعترض من الاثني عشرية إلى أقوال بعض الأئمة الناظرة إلى صوفية معينة ليُدينوا بها كل الاتجاه الصوفي، بل وسعى البعض إلى إرجاع الصّوفيّة إلى المذهب السّني- كما وادّعى ذلك بعض السنة - لتحمل هذه الجهة كل هفوات وأضاليل القوم.
وبين هذين، ظُلِم التّصوّف كاتجاه روحي، فلم يدرس بموضوعية من جهة غرضه، وهو بلا شك غرض سام، ومنع من أن يُنظَر إليه كحالة رُقي روحي في مسيرة الأمة الإسلامية ومن مآثرها الحضارية.
وظُلِم الإمام علي عليه السلام أيضاً بمنعه أن يكون مؤثِّراً في هذا الإتجاه الروحي بنواحيه الإيجابية الأساسية.
وفوق ذلك اخترعنا مجالاً جديداً لتمزيق الأمّة الإسلامية من حوله.
الصّوفيّة فرقة إسلامية أم أشخاص؟
إن أسماء بارزة في عالم التّصوّف الإسلامي نفسه، وفي الطرق المختلفة فيه قد رفضت ما يرفضه المحققون من علماء السّنة و الشيعة، وذهبت إلى ما يذهبون من الاقتصار على الشريعة في طريق الوصول إلى الحق و إبطال مقالات الاتحاد و الحلول كما نرى في طعن علاء الدولة السمناني المعدود من مشايخ الصّوفيّة على الشيخ محي الدين بن عربي في ما ذهب إليه من إعتبار فرعون عين الحق تعالى.
و أن بين من يتّصفون بالصّوفيّة أنفسهم تبايناً واختلافاً يكاد معه عدُّ التّصوّف فرقة واحدة أمراً مستحيلاً، وهذا الادعاء على أي حال لم يظهر إلا من عدد قليل فيهم منهم الرومي، ولم يقل به أحد من المؤرخين للتّصوّف إلاّ الفخر الرازي كما في كتابه" اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" الباب الثامن:
" اعلم أن أكثر من حصر فرق الأمة لم يذكر الصّوفيّة وذلك خطأ، لأن حاصل قول الصّوفيّة أن الطريق إلى معرفة الله هو التصفية و التجرد من العلائق البدنية، وهذا طريق حسن".
وكان قد سبقه باختلاف يسير أبو المظفر طاهر بن محمد الاسفراييني في كتابه "التبصير في الدين" و تمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين حيث عدَّه من مذاهب الفرق الناجية من أهل السنة و الجماعة.
التّصوّف إذاً حالة بين المتصوّفة، إلاّ أنَّ هذه الملامح لا ينبغي أن نغفل معها عن إمكانية ملاحظتها في حالات التّصوّف التي ظهرت في الأديان الأخرى أيضاً.
وهذه الذاتية تلزمنا بضرورة التوقف عند آراء كل متصوّف بنفسه، بل لعلنا لا نجد لواحدهم استقراراً في تعريفه لأمرٍ ما، إذ هم كما يدّعون أرباب أحوال ، ومن كانت هذه حاله كيف تمكن محاكمته، فضلاً عن إمكانية إفتراض نسق ممذهب .
وهذا حالهم في تعريف الصّوفي كما ينقله الدكتور أبو العلاء عفيفي عنهم يعطينا ما يزيد على أربعين تعريفاً فما بالك إذا وصلت نوبة البحث إلى التّصوّف النظري؟
مقام علي عليه السلام في الاتجاه الروحي تصوّفاً و فتوة:
إنّ التّصوّف العملي زهد وفقر وورع وعبادة وعمل وتوبة، والفتوة شجاعة وسخاء وحياء، وللإمام من هذه النصيب الأوفى بل هو المقدَّم فيها عن غيره دون رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم كما وصفه بذلك في نهج البلاغة:
"كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، و كان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد...". وقال في شجاعته:" كنّا إذا احمرّ البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله فلم يكن أحد منا أقرب إلى العدو منه". وقد دعا الإمام إلى متابعة سيرة رسول الله بقوله:" فتأسَّ بنبيّك الأطيب الأطهر صلى الله عليه و آله فإن فيه أسوة لمن تأسى، وعزاء لمن تعزى... قضم الدنيا قضماً، ولم يعرها طرفاً، وأهضم أهل الدنيا كشحاً، وأخمصهم من الدنيا بطناً، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه، وحقَّر شيئاً فحقره، وصغَّر شيئاً فصغَّره. ولو لم يكن فينا إلاّ حبّنا ما أبغض الله ورسوله، وتعظيمنا ما صغّر الله ورسوله لكفى به شقاقاً لله، ومحادَّة عن أمر الله".
إنّ التّصوّف بما هو إتجاه روحي غرضه التقرّب من المولى و الإعراض عمّا سواه حالة نفسانية، ولا بدّ للنفس الإنسانية من طريق مرسومة وسائق يقودها.
وإنّ وجود الإنسان في هذه الدنيا يشتمل على وجودين مادي وروحي وهما متعلقان ببعضهما البعض، وقد بعث الله تعالى النبيين بالرسالات لتنظيم التناغم بين مقتضيات الطبيعتين المادية والرّوحية في مسار الوصول إلى أعلى مراتب العبادة المؤدية غلى عرفان الله حقّاً، وضمن هذه الصورة لا يكون التَصوّف خارجاً عما أشار إليه أمير المؤمنين حين ربط الآثار الروحية بالعمل والعبادة:
"الصلاة قربان كل تقيّ، والحج جهاد كل ضعيف، ولكل شيئ زكاة وزكاة البدن الصيام وجهاد المرأة حُسن التّبعّل".
وقال عليه السلام أيضاً في نفس المجال:
"فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر، والزكاة تسبيباً للرزق، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق، والحج تقوية للدين، والجهاد عزاً للإسلام، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام، والنهي عن المنكر ردعاً للسفهاء، وصلة الرحم منماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، وإقامة الحدود إعظاماً للمحارم، وترك الزنا تحصيناً للنسب، وترك اللواط تكثيراً للنسل، والشهادة استظهاراً على المجاحدات، وترك الكذب تشريفاً للصدق، والسلام اماناً من المخاوف والإمامة نظاماً للأمة، والطاعة تعظيماً للإمامة".
إن كلام الإمام هذا يضع الفقه الذي سمّاه أهل التّصوّف علم الرسوم، في إطاره الذي أراده الله من خلق الإنسان: العبادة المفسرة بالمعرفة، وهذه المعرفة هي ما يسعى إليه الصّوفيّة، فهذا هو إذاً الطريق العلوي الذي يجمع بين ما للحق وللخلق ويوصل الإنسان إلى حالة القرب والإخلاص.
إن الإتجاه الروحي عند الإمام علي عليه السلام لم يخرجه من هذه الدنيا ولكنه كما في المنقول عنه قرضها على منهاج المسيح عليه السلام.
وهو في هذا الإتجاه الروحي لا ينكر تأثير الانشغال بالخلق عن الحق تعالى، وأن هذا الإنشغال قد يخرج الإنسان عن حدّه فيصير حينئذ "كالبهيمة المربوطة همّها علفها أو المرسلة شغلها تقممها" سعياً بين القاذورات المتنافس فيها.
أمير المؤمنين إذاً هو تالي رسول الله صلى الله عليه وآله في قيادة الأمة في معراجها الروحي و سنتحدَّث لاحقاً عن خصوصيته في هذا المجال ونكتفي هنا بالإشارة إلى أنّه سيعد عند الصّوفيّة رأس السلسلة في السند المتصل برسول الله ، ولكن هذا لم يمنع إتجاه قوم ممن خافوا استخدام هذا الموضوع سياسياً ومذهبياً أن يبتدعوا طرقاً تنتهي إلى الخلفاء الثلاثة الآخرين وإن لم يأخذ هذا العمل مداه وأحسب أن الإفتعال لخصوصيات وأحوال لم يقف أمام صورة ابن أبي طالب في أذهان المسلمين.
الإمام والفتوة
وكما في التّصوّف كذلك حاولت جماعة في الشام- كما يذكر الدكتور الشيبي أن تقلل من شأن علي عليه السلام في مقام "الفتوة" فأوجدوا مقابلها "النبوية" وهي جماعة قائمة على اسس الفتوة بغير اسمها ولكن لم يكتب لها الإنتشار، هكذا تصنع السياسة و البغضاء. يجعل علي عليه السلام مقابل النبي لأنّ جماعة تبنّته فيساء إليه من أعدائهم ليرتفع الولاء عند محبّيه و تخرج الأمور عن نصابها إلى أن يقضي الله برد هذه الأمة إلى الجادة الوسطى ويبقى علي في مقامه الذي هو فيه لا يضرّه شنآن مبغض ولا غلو محبّ.
عودة إلى العلاقة بين التّصوّف والتّشيّع
ذكرنا في موضع سابق أن بعض المؤخين ادّعى نسبة التّصوّف إلى التّشيّع لعلي مطلقاً، بمعنى أنه مثلاً قد عدَّ الغلاة المؤلهين لعلي عليه السلام شيعة مع أنّ المسلمين عموماً والشيعة الاثني عشرية خصوصاً يعتبرونهم كفّاراً.
وقلنا إن في هذا إفتراء على فرقة عريقة من المسلمين ومجافاةً للموضوعية ولو أراد هؤلاء الإنصاف لاكتفوا بالقول بأن للإمام علي عليه السلام التأثير المهم والبارز في ترغيب المسلمين بالعبادة والزهد والورع والفقر والرضا والتوكل...الخ وهي الأمور التي تعد بصورة موضوعية من المؤثرات في تشكيل الطرق و النظريات الصوفية اللاحقة.
إن القول بتأثر الصّوفيّة بالتّشيّع يحتاج بداية إلى تحديد لهذا التّشيّع وإن أول إشكال يرد على القائلين بهذه المقالة هو أنه لا يصح الجزم باعتبار المؤسسسين للتّصوّف في مراحله المختلفة شيعة لعلي عليه السلام ولو من خلال فهم التشيع بمعنى الموالاة عموماً، فماذا نصنع مثلاً بأبي بكر الكتاني مبدع فكرة "القطب" و المنظّر لها والذي كان يجد في نفسه غيرة من علي بن أبي طالب، فاستعمل المنامات ورؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمره له بالسلام عليه للمصالحة معه.
نعم يمكن ملاحظة علاقة ما بين أحد الصّوفيّة وعلي عليه السلام ولكنّ هذا لا يعني صحة استناد كل ما يراه إلى علي. ويمكن أن تتشابه بعض الأفكار ولكن التشابه شيء والتأثر والتأثير شيء آخر يحتاج إلى إثبات اتباع ونقل. وفوق هذا كله، فإنّ الإشكال الأساسي على هؤلاء أنّهم من جهة يرَون التّشيّع مذهباً رُكِّب بتطور الزمان، ومن جهة أخرى يحكمون بأن التّصوّف أُخذ من التّشيّع. ولو سلّمنا بتشيّع المنقول عنهم أو المتأثَّر بهم فالأَولى أن يُقال بتأثُّر الصّوفيّة ببعض الشيعة لا بالتّشيّع، علماً بأن أكثر الشيعة يرون أن مذهبهم قد وُجد في حياة رسول الله نفسه ضمن صورة محددة يخرج عنها أكثر من يدّعى تأثيرهم في التّصوّف.
وبهذا نصل إلى أن القول بتأثر التّصوّف العملي في أكثر مفرداته بعلي عليه السلام هو قول صحيح دون الخشية من استعمال اصطلاح التّصوّف،وأنه عليه السلام اختُصَّ بهذا دون بقية الصحابة لأنه قد تميَّز عنهم فعلاً باعترافهم أنفسهم، والتزام كبار أهل الطريقة كما نقله عنهم ابن أبي الحديد وغيره.
وإذا أردنا تفسير ذلك فإننا نستطيع القول بأن الإمام علي عليه السلام قد تميَّز من بين الصحابة ليس بالسلوك العملي فقط بل بالتوجيه لهذا السلوك والدعوة له خصوصاً بعد تولّيه الخلافة وما كان عليه حال المجتمع الإسلامي آنذاك. وفي نهج البلاغة أسناد كافية ومواد يمكن الاعتماد عليها في تركيب الاتجاه الروحي عند الإمام، وسواء أردنا تشكيل هذا الاتجاه الروحي وفق مفردات القوم المتأخرة في التأليف ما بينها، أو أردنا أخذها كما هي لاستطعنا الوقوف على طريقة في الحياة الروحية لا نسقط معها من كلامه المجموع في نهج البلاغة - لخروجه عن الموضوع - إلاّ النزر اليسير.
إن الإتجاه الروحي عند أمير المؤمنين ليس شأناً يخرج به عن الحياة بل هو مترابط معها. إنه عليه السلام عنوان الذاكر الحقيقي لله :
انظر إليه وابن عباس يدعوه للقاء الخارجين إلى الحج، الطالبين الاستماع اليه ، وهو مشغول بخصف نعله ، فيسأله عن قيمتها على ما هي عليه، فلا يقيّمها بنصف درهم والإمام يراها أحبّ إليه من الإمارة إلا أن يقيم حقاً أو يدفع باطلاً.
وانظر إليه في السوق شاهراً سيفه يقول: من يشتري مني هذا السيف فوالذي فلق الحبة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله (ص)، ولو كان عندي ثمن إزار لما بعته، فيبيعه رجل إزاراً ويؤخر قبض ثمنه.
وانظر إليه وقد رقع مدرعته حتى استحيا من راقعها وهو يراها معيناً على خشوع القلب. وانظر إليه لا يبيت مبطاناً وحوله أكباد حرَّى، ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالشبع أو طمع بالقرص.
وهذا هو يسأل أهل الكوفة أن لا يدعوه يخرج من عندهم بما يزيد على ما أتاهم به ، وهو يأكل و يطعمهم من ماله الخاص و كدّ يمينه.
الاتجاه الروحي عند علي عليه السلام يحكم الحياة في هذه الدنيا و ينظمها، إنه الجمع بين العمل والعبادة ، بين المال والقناعة، بين الجهاد والتوكل، بين السلطة والزهد، بين سلامة البدن وتقوى القلوب. و لما كان الكلام عن الاتجاه الروحي عند الإمام علي عليه السلام كما ذكرنا مبثوثاُ في كل أنحاء النهج ، وقفت عند الأسلوب الذي يمكنني من الإشارة إلى معالم هذا الإتجاه دون حمل "نهج البلاغة" بكامله، فرأيت الاقتصار على بعض عناوين التّصوّف العملي وما ورد فيها منه سلام الله عليه كافٍ و أنا الخائف من الوقوف على عتبته فكيف بالخوض في ساحته.
الدنيا والعمل فيها:
"مثل الدنيا كمثل الحيَّة ليِّن مسّها، والسّم الناقع في جوفها، يهدي إليها الغر الجاهل ويحذرها ذو اللب العاقل".
"الدنيا دار ممرّ لا دار مقرّ".
"الدنيا خلقت لغيرها ولم تخلق لنفسها".
"من هوان الدنيا على الله أنّه لا يُعصى إلاّ فيها، ولا ينال ما عنده إلاّ بتركها".
وفي وصف الدنيا:".. إنّ الله لم يرضها ثواباً لأوليائه،ولا عقاباً لأعدائه، وإن أهل الدنيا كركب بينا هم حلّوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا".
" أيّها الناس إنّما الدنيا دار مجاز، والآخرة دار قرار، فخذوا من ممرّكم لمقركم".
" إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداّ".
ومن كلام له عليه السلام قاله للعلاء بن زياد الحارثي وقد دخل عليه يعوده فرأى سعة داره بالبصرة:" ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا و انت إليها في الآخرة كنتَ أحوج؟ وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة، تقري فيها الضيف وتصل فيها الرحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة. فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد، قال: وما له؟ قال: لبس العباءة وتخلى عن الدنيا، قال: عليَّ به. فلما جاء قال عليه السلام: يا عديَّ نفسه! لقد استهام بك الخبيث، أما رحمت أهلك وولدك أترى الله أحلَّ لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها؟! أنت أهون على الله من ذلك. قال: يا أمير المؤمنين هذا انت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك، قال: ويحك إني لست كأنت، إنّ الله فرض على أئمة العدل أن بقدروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيغ بالفقير فقره".
ليست الدنيا عند الإمام علي إلاّ مزرعة للآخرة، وهي بنفسها لا تستحق ذماً و لا مدحاً حيث أنها جعلت في تصرّف الإنسان:
" فالناس فيها رجلان، رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها".
أو كما في كلام آخر له عليه السلام:
" الناس في الدنيا عاملان، عامل عمل في الدنيا للدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته، يخشى على من يخلفه الفقر ويأمنه على نفسه فيفني عمره في منفعة غيره. وعامل عمل في الدنيا لما بعدها، فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمل، فأحرز الحظين معاً، وملك الدارين جميعاً،فأصبح وجيهاً عند الله لا يسأل الله حاجة فيمنعه".
وهذا الذي " جاءه من الدنيا بغير عمل" ليس ما ذهب إليه ابن أبي الحديد في شرحه بأنه أثر لاشتغاله بالعبادة، فإنّ هذا الأثر عند الإمام قد بُيِّن في موضع آخر حيث قال:" لا يسأل الله حاجة فيمنعه" بل هو المقسوم من الرزق المقدَّر للخلائق كلها.
إن الدنيا مشتملة على ما يذكّر بالآخرة وعلى ما يغر ويخدع ، والإنسان في حياته هو المسؤول عن كيفية النظر إليها. قال عليه السلام وقد سمع رجلاً يذمّ الدنيا:
" أيّها الذام للدنيا، المغترّ بغرورها، المخدوع بأباطيلها، أتغترّ بالدنيا ثم تذمّها؟ أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك؟ متى استهوتك أم متى غرّتك؟ أبمصارع آبائك من البلى، أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟ كم علَّلت بكفيك، وكم مرّضت بيديك؟تبتغي لهم الشفاء و تستوصف لهم الأطباء غداة لا يغني عنهم دواؤك ولا يجدي عليهم بكاؤك. لم ينفع أحدهم إشفاقك، ولم تسعف فيه بطلبتك ولم تدفع عنه بقوتك وقد مثلت لك به الدنيا، وبمصرعه مصرعك. إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها ودار غى لمن تزوَّد منها ودار موعظة لمن اتعظ بها.مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله، ومهبط وحي الله ومتجر أولياء الله اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمّمها وقد آذنت ببينها و نادت بفراقها ونعت نفسها وأهلها، فمثلت لهم ببلائها البلاء وشوَّقتهم بسرورها إلى السرور! راحت بعافية وابتكرت بفجيعة ترغيباً وترهيباً وتخويفاً وتحذيرا فذمّها رجال غداة الندامة وحمدها آخرون يوم القيامة، ذكَّرتهم الدنيا فتذكّروا، وحدَّثتهم فصدقوا ووعظتهم فاتّعظوا".
" يا أيّها الناس متاع الدنيا حطام موبئ فتجنبوا مرعاه، قلعتها أحظى من طمأنينة وبلغتها أزكى من ثروتها، حكم على مكثر منها بالفاقة، وأعين من غني عنها بالراحة. من راقه زبرجها أعقبت ناظريه كمها، ومن استشعر الشغف بها ملأت ضميره أشجاناً لهنَّ رقص على سويداء قلبه: همٌّ يشغله وغمٌّ يحزنه ، كذلك حتى يؤخذ بكظمه فيلقى بالفضاء، متقطعاً أبهراه، هيناً على الله فناؤه وعلى الاخوان إلقاؤه. وإنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار، ويقتاث منها ببطن الاضطرار، ويسمع فيها بأذن المقت و الإبغاض، إن قيل أثرى قيل أكدح، وإن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء. هذا و لم يأتهم "يوم فيه يبلسون".
" الركون إلى الدنيا مع ما تعاين منها جهل، والتقصير في حسن العمل إذا وثقت بالثواب عليه غبن، و الطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار له عجز".
" إن أولياء الله هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا إذ نظر الناس إلى ظاهرها، واشتغلوا بآجلها إذ اشتغل الناس بعاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم، وتركوا منها ما علموا أنه سيتركهم ، ورأوا استكثار غيرهم منها استقلالاً، ودركهم لها فوتاً. أعداء ما سالم الناس و سلم ما عادى الناس! بهم عُلم الكتاب و به علموا، وبهم قام الكتاب وبه قاموا، لا يرون مرجوّاً فوق ما يرجون و لا مخوفاً فوق ما يخافون".
ورئي عليه إزار مرقوع فقيل له في ذلك، فقال:
" يخشع له القلب، وتذل به النفس، ويقتدي به المؤمنون. إنّ الدنيا و الآخرة عدوان متفاوتان، وسبيلان مختلفان ، فمن أحب الدنيا و تولاها أبغض الآخرة و عاداها، وهما بمنزلة المشرق و المغرب وماش بينهما كلما قرب من واحد بَعُد من الآخر، وهما بعدُ ضرتان!".
" إزهد في الدنيا يبصرك الله عوراتها ولا تغفل فلست بمغفول عنك".
" يا دنيا يا دنيا، إليك عني، أبي تعرضت، أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك، هيهات غرّي غيري لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وعملك حقير. آه من قلة الزاد وطول الطريق وبُعد السفر وعظيم المورد".
الزهد:
يعرّف الإمام علي عليه السلام الزهد على أنه حالة نفسية :
" الزهد كله بين كلمتين من القرآن: قال الله سبحانه لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم. ومن لم يأس على الماضي و لم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه".
و"أفضل الزهد إخفاء الزهد".
والزهد عنده عمل لا عجز، ولذلك قال عليه السلام:
" لا زهد كالزهد في الحرام" لأن الزهد مقابل للرغبة والطمع: "الطامع في وثاق الذل" و " إن الطمع مورد غير مصدر، وضامن غير وفيّ"
و " الطمع رقٌّ مؤبد".
وقد وصف عليه السلام الزاهدين والطامعين قال:" طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، أولئك قوم قد اتخذوا الأرض بساطاً وترابها فراشاً وماءها طيباً والقرآن شعاراً والدعاء دثاراً ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح عليه السلام".
وقابلهم بمن " يرجو الآخرة بغير العمل ويرجي التوبة بطول الأمل يقول في الدنيا بقول الزاهدين ويعمل فيها بعمل الراغبين: إن أُعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهي ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو أحدهم".
وللإمام في دفع ما توهمه البعض طريقاً إلى الآخرة كلام جميل يقول:
" العجز آفة، والصبر شجاعة، والزهد ثروة، والورع جُنّة، ونعم القرين الرضا".
وهذا الكلام يعيدنا إلى التأكيد على أنّ التربية الروحية عند الإمام عليه السلام لا تكون بالسلبية اتجاه الدنيا فإنها مظهر عجز والعجز كما قال آفة.
القناعة:
يرتبط الزهد بالقناعة و"القناعة مال لا ينفذ" و" كل مقتصر عليه كاف". الزهد في الحلال و الحرام كما ذكرنا مقابل للرغبة والطمع وهما حالتان نفسيتان مقلقتان:
" من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوأ خفض الدعة، والرغبة مفتاح النصب ومطية التعب، والحرص والكبر والحسد دواع إلى التقحم في الذنوب"
و "من استشعر الشغف بها- الدنيا- حتى ملأت ضميره أشجاناً لهن رقص على سويداء قلبه : هم يشغله، وغمّ يحزنه كذلك حتى يؤخذ بكظمه...".
و القناعة المرتبطة بالزهد كذلك لا تكون ناشئة عن عجز فذلك إنما يكون " ممن أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه وانقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله، فتحلى باسم القناعة، وتزيّن بلباس أهل الزهادة وليس من ذلك في مراح ولا مغدى".
القناعة سبيل إلى راحة النفس وطمأنينتها كما مرَّ معنا، ويُعلم الإمام ابن آدم أنَّ :
" الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تأته أتاك، فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك، كفاك كل يوم على ما فيه، فإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهمّ فيما ليس لك. ولن يسبقك إلى رزقك طالب، ولن يغلبك عليه غالب ولن يبطئ عنك ما قدِّر لك".
القناعة عند الإمام إذاً مدخل إلى دفع الهم عن النفس وليست عجزاً وقعوداً عن العمل.
الفقر:
لا يريد الإمام من القناعة أن توصل إلى الفقر السلبي بل إلى الفقر الإيجابي، إلى الكفاف دون أن يكون في الغنى و اليسار أية مشكلة إذا حفظ معهما حق الله وحق الناس، وتنظيم حياة الإنسان يساعد على حصولهما ومن ذلك قوله عليه السلام :" قلة العيال أحد اليسارين".
إن التمييز بين حياة الكفاف وحياة الفقر كما ذهب إليها بعض الصُّوفية يضعنا أمام نتائج مختلفة، إذ أن الفقر عند الإمام" يخرس الفطن عن حجته" و "الفقر في الوطن غربة" و "الفقر الموت الأكبر"، وقد قال عليه السلام لإبنه :
" يا بني إني أخاف عليك الفقر فاستعذ بالله منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل، داعية للمقت" " ألا وأن من البلاء الفاقة، وأشدّ من الفاقة مرض البدن، وأشدّ من مرض البدن مرض القلب، ألا وإن من النعم سعة المال وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب".
نعم لا بد للفقراء من معين من أنفسهم لكي لا يؤثر فيهم الفقر نفوراً عن الحق فلذلك قال عليه السلام:
" العفاف زينة الفقر" .
و " ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالاً على الله".
"فمن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته، أصلح الله أمر دنياه".
هذا و إن الكفاف هو الاقتصار على الحاجة والقناعة بالكفاف التي أشار إليها بقوله عليه السلام" كل مُقْتَصَرٌ عليه كافٍ".
من صفات المؤمنين حقاً أولئك الذين قال فيهم:" طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب وقنع بالكفاف ورضي عن الله"، وهي الصفات التي وصف بها خباب بن الأرت وزاده عليها " وعاش مجاهداً".
التوكل والعبادة والعمل:
هنا نصل إلى واحدة من أخطر المفردات التي أساء فيها قوم فصاروا منها إلى التواكل وترك العمل ولننظر ماذا يقول الإمام فيه:
إن التوكل على الله وحسن الظن به والثقة بقضائه لا تكفي العبد عن العبادة والعمل، وقد أجاب رسول الله لمَّا قيل له:" أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً".
وهذه العبادة وهذا العمل لا يكونان على أتم صورهما إلا إذا وافقا شرع الله لنا فيما ورد إلينا من الطرق الصحيحة عن رسول الله وأهل بيته.
" إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحدّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلفوها".
"طوبى لمن ذل في نفسه وطاب كسبه وصلحت سريرته وحسنت خليقته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من لسانه وعزل عن الناس شره، ووسعته السنة ولم ينسب إلى البدعة".
"من قصَّر في العمل ابتلي بالهمّ ولا حاجة لله في من ليس لله في ماله ونفسه نصيب".
" للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه وساعة يروم معاشه، وساعة يخلي بين نفسه و بين لذتها فيما يحلّ ويجمل، وليس للعاقل أن يكون شاخصاً إلاّ في ثلاث: مَرَمَّةٌ لمعاش، أو خطوة في معاد أو لذة في غير محرّم".
إن ما ذهب إليه البعض من تعذيب النفس والجسد عمل غير مجدي:" فكم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع والظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء حبذا نوم الأكياس وإفطارهم".
وفي العبادة :" قليل تدوم عليه أرجى من كثير مملول منه" و " إذا أضرَّت النوافل بالفرائض فاتركوها".
الشجاعة والفتوة:
ويستمر منهج الإمام في التربية الروحية للإنسان حتى نصل إلى الفتوة والشجاعة التي لا تنفصل عما سلف مما يجب أن تتحلى به نفس المسلم ولنأخذ بعضاً مما ذكره في هذا المجال:
" البخل عار والجبن منقصة".
"رضي بالذل من كشف عن ضرّه وهانت عليه نفسه من أمَّر عليها لسانه".
" الاحتمال قبر العيوب".
"قرنت الهيبة بالخيبة ، إن قدر الرجل على قدر همته وصدقه على قدر مروءته، وشجاعته على قدر أنفته".
" الظفر بالحزم والحزم بإجالة الرأي، والرأي بتحصين الأسرار".
"لا يعدو الصبور الظفر وإن طال به الزمان".
"من أحدّ سنان الغضب لله قويَ على قتل أشداء الباطل".
"إذا هبتَ أمراً فقع فيه ، فإن شدة توقّيه أعظم مما تخاف منه".
" لا تدعونَّ إلى مبارزة، وإن دُعيت فأجِب فإن الداعي إليها باغ و الباغي مصروع".
"أيها المؤمنون إنه من رأى عدواناً يعمل به، ومنكراً يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم و برئ ومن أنكره بلسانه فقد أجر ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى وقام على الطريق ونوَّر في قلبه اليقين".
"أول ما تغلبون عليه الجهاد بأيديكم ثم بألسنتكم ثم بقلوبكم فمن لم يعرف بقلبه معروفاً ولم ينكر منكراً قُلب فجُعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه".
وإذا أردنا أن نتعرف إلى فتوته عليه السلام وشجاعته ليكون أسوة بعد رسول الله فلننظر إلى قوله:" والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه". " وَالله لا أكُونُ كَالضبع تنام على طول اللدم، حتى يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها، ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب أبدا، حتى يأتي علي يومي."
"والله إن امرءاً يمكِّن عدوه من نفسه يعرق لحمه ويهشم عظمه ويفري جلده لعظيم عجزه، ضعيف ما ضمت عليه جوانج صدره. أنت فكن ذاك إن شئت فأما أنا فوالله دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام وتطيح السواعد والأقدام ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء". "والله ما أبالي دخلت إلى الموت أو خرج الموت إليّ". وقال في قوم:" وقد أرعدوا وأبرقوا ومع هذين الفشل ولسنا نرعد حتى نوقع ولا نسيل حتى نمطر".
"اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا".
" قد استطعموكم القتال فأَقِرُّوا على مذلة وتأخير محلة أو روّوا السيوف من الدماء ترووا من الماء فالموت في حياتكم مقهورين و الحياة في موتكم قاهرين".
أما الموت عنده فهو غير مخوف لأن "عَليَّ من الله جنة حصينة فإذا جاء يومي انفرجت عني وأسلمتني فحينئذ لا يطيش السهم ولا يبرأ الكلم" كما قال عندما خوّفوه من الاغتيال، بل إن الموت غيظاً من عمل الظالمين ممدوح عنده كما قال:" فلو أن امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً".
آداب العشرة:
للمؤمن صفات يجب أن يتحلى بها في نفسه، وأن لا يتصف بأخرى، ومنها ما يتعلق بالعشرة مع الناس:
"إذا كان في رجل خلة رائقة فانتظروا أخواتها".
"خالطوا الناس مخالطة ، إن متّم معها بكوا عليكم وإن عشتم حنّوا إليكم".
"البخل جامع لمساوئ العيوب وهو زمام يقاد به إلى كل سوء".
"الحلم و الأناة توأمان ينتجهما علو الهمة".
"الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك، وألاّ يكون في حديثك فضل من عملك وأن تتقي الله في حديث غيرك".
"من كرمت عليه نفسه، هانت عليه شهواته".
"ما مزح امرؤ مزحة إلا مُجَّ من عقله مجّة".
"المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً وأذلّ شيء نفساً، يكره الرفعة ويشنأ السمعة ، طويل غمّه ، بعيد همّه ، كثير صمته ، مشغول وقته، شكور صبور، مغمور بفكرته ، صنين بخلته".
"من الخَرْق المعالجة قبل الإمكان، والأناة بعد الفرصة".
" اللسان سبع إن خلّي عنه عقر".
وقيل له صف لنا العاقل فقال عليه السلام :" هو الذي يضع الشيء مواضعه، فقيل: صف لنا الجاهل، قال :قد فعلت".
"آلة الرياسة سعة الصدر".
"متى أشفي غيظي إذا غضبت؟ أحين أعجز عن الانتقام فيقال لي لو صبرت؟ أم حين أقدر عليه فيقال لي لو عفوت؟".
"من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومنّ من أساء إليه بالظن".
"فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها".
"السخاء ما كان ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء وتذمم".
"أعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان وأعجز منه من ضيَّع من ظفر به منهم".
"صدر العاقل صندوق سرّه، والبشاشة حبالة المودة والاحتمال قبر العيوب".
"أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم فما يعثر منهم عاثر إلا ويد الله بيده يرفعه".
"من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب".
"إذا حييت بتحية فحيّ بأحسن منها، وإذا أسديت إليك يد فكافئها بما يربي عليها والفضل مع ذلك للبادي".
"لا تستحِ من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه".
"لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته وغيبته ووفاته".
"عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه".
"أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما".
"أحسنوا في عقب غيركم تحفظوا في عقبكم".
"الركون إلى الدنيا مع ما تعاين منها جهل , والتقصير في حسن العمل إذا وثقت بالثواب عليه غبن ، والطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار له عجز".
"ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممن قدر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة".
وبعد، فهذا شيء من منهج علي الروحي وله في مقامات الرضا و الاستغفار والتوبة وغيرها كلام وأحوال، فمن التزم بهذا كان على التَّشيّع و السنة وإلاّ فهو خارج ومنسوب إلى البدعة ، وإن كان هذا المنهاج مما يسمى تصوّفاً فإنه التَّصوف الممدوح ، والعامل به غير مذموم في الدنيا والآخرة.
والحمد لله رب العالمين.

ألبوم الصور