السبت، أبريل 29، 2017

من لطائف العلماء


من لطائف العلماء
قال العلاّمة الرجالي الفقيه المجدد السيد محسن الأمين قدس سره الشريف في مذكراته عن أيام دراسته في النجف الأشرف مع زملائه العامليين:
" وذهبنا إلى مسجد السهلة ونحن جماعة في فصل الشتاء للترويح عن النفس أياما ... وكنا نجلس ليلا نتسامر فاقرأ لهم بعض الأشعار التي أوردها صاحب أمل الآمل في كتابه مثل قول بعضهم في رثاء عالم: (وبالرغم مني قدّس الله روحه...), فيضحكون ويأنسون"[1]. كأن ضحكهم وأنسهم بقول السيد مفاده بالعامية : غصباً عني قدّس الله روحه.
وقد تتبعت قوله هذا لأستكمل الشعر المؤنس فوجدت أنه تصحيف صدر بيت شعر ذكر الشيخ الحر العاملي صاحب أمل الآمل أنه قاله في رثاء الشيخ الأجل زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني العاملي الجبعي. وجاء في الكتاب ما نصه[2]:
 "وقد رثيته بقصيدة طويلة بليغة قضاءا لبعض حقوقه، لكنها ذهبت في بلادنا مع ما ذهب من شعري ولم يبق في خاطري إلا هذا البيت:
(وبالرغم قولي قدس الله روحه * وقد كنت أدعو أن يطول له البقا).
وواضح أن العلاّمة الأمين قد أراد الممازحة فغيّر في الشعر المذكور, وقد يكون لتغييره سبب آخر وهو أنّ الشيخ زين الدين كان أخباريا وهو من أساتذة الشيخ الحر (الأخباري أيضا) والذي نقل عنه في ترجمته للشيخ زين الدين: " وكان يتعجب من جده الشهيد الثاني ومن الشهيد الأول ومن العلاَمة في كثرة قراءتهم علي علماء العامة، وكثرة تتبع كتبهم في الفقه والحديث والأصولين وقراءتها عندهم، وكان ينكر عليهم و [كان] يقول: قد ترتب علي ذلك ما ترتب، عفا الله عنهم".
ع.خ, ‏29‏ نيسان‏، 2017


[1] أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين    مجلد : 10  صفحه : 358
[2] أنظر ترجمته في امل الآمل فی احوال علماء جبل عامل: الشيخ الحر العاملي    مجلد : 1  صفحه 92

الأربعاء، أبريل 26، 2017

الفكر التكفيري حرف لرسالة المبعث النبوي الشريف عن أهدافها وتضييع لمقاصدها



الفكر التكفيري حرف لرسالة المبعث النبوي الشريف عن أهدافها وتضييع لمقاصدها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , وبعد.
تحوّل "التكفير" في ظاهر معناه اللغوي والشرعي عن دلالته التي عرفتها اللغة والثقافة الإسلامية ليدل على مركّب من التفكير والسلوك يتجلى في ظاهرة جماعات الإرهاب الدموي المعاصرة وسلوكها, وهذا التحول يعتبر أول وأخطر انحراف برسالة الإسلام عن ما بعث به سيدنا محمد صلى الله عليه وآله[1]:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 107]
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الفرقان : 56]
ليس هذا الإنحراف هو الأول في تاريخ الإسلام السياسي والإجتماعي بل هو الأول في سلّم انحرافات هذه الجماعات, وما الدراسات المعاصرة – بغض النظر عن غايتها وقيمتها - التي استعادت التاريخ الدموي في حياة المسلمين بدءا من صدر الإسلام والخوارج وانتهاءً بالسلطنة العثمانية عنكم ببعيدة.
وهو الإنحراف الأخطر, لأنَه صار عمدةَ مظاهر تشكيل عقدة الخوف من الإسلام "الإسلاموفوبيا" التي انتشرت ولم تقف عند غير المسلمين بل ضربت بآثارها مجتمعاتنا الإسلامية, مستدعية التشكيك بأحقية هذا الدين بين أبناء المسلمين أنفسهم لينتهي الأمر بتحول حتى بعض قادة هذه الجماعات إلى النصرانية[2] ووفقًا لدراسة "المؤمنون في المسيح من خلفية مسلمة": وهي دراسة أجريت من قبل جامعة سانت ماري الأمريكيّة في تكساس سنة 2015 وجدت في إحصاء عالمي أن عدد المسلمين المتحولين للديانة المسيحية بين سنوات 1960-2015 يصل إلى حوالي 10.2 مليون نسمة...
--------------
الإنحراف السلوكي عن الإسلام المحمدي بما هو سلوك قد ينشأ عن لامبالاة شخصية بمراعاة الأحكام الدينية وهذا أبسط وأدنى أنواع الإنحراف المنتشر في مجتمعاتنا, أما أعقدها فهو الناشئ عن انحراف في التفكير والذي يستمد أصوله من التاريخ البعيد والقريب المتجلية في التطرف الديني.
التطرف الديني ظاهرة إجتماعية تتجلى في الميل نحو الغلّو في الإعتقاد وفي الممارسة مرة, ونحو الإنعزال أو التخفف مرة أخرى.
والإسلام ليس بدعا في نشوء ظاهرة الغلّو هذه فقد عرفتها اليهودية والمسيحية بل وحتى الماركسية والعقائد الفلسفية الأخرى.
إن الدعوة إلى مراجعة ونقد ظاهرة الغلو في الواقع وفي "التراث الديني" الإسلامي وتصحيحه تحتاج إلى وقفة تأمل لأنها وعلى براءة بعض دعاتها من التشكيك في نواياهم لم تعد تحتمل أصالة البراءة بعد أن تبناها جورج بوش سنة 2009 وفرض نقاشها على حكام العالم الإسلامي, وإن هذه المراجعة لا تكون صادقة ومخلصة إذا قام بها  جماعة قال عنهم الغربيون Apologists (الإعتذاريون) وعلى طريقتهم في البحث Apologetic (الإعتذارية).. وهم الباحثون الذين يحاولون عرض أحكام الإسلام بطريقة لا هدف لها إلا إرضاء الشعور الغربي – أو ذلك هدفها الأساسي – كما قال الدكتور محمد سليم العوّا.
الكلام عن موضوع الندوة: الفكر التكفيري وتحريفه لرسالة المبعث النبوي الشريف يحتاج إلى تعيين إطار زماني نتلمس فيه مظاهر هذا الإنحراف المتعددة, والبحث عن أسباب التحريف لتحديد الوظيفة الشرعية أزائه.
ومما لا ينبغي تغييبه عن الذهن في هذا العمل أن لا نقع أسرى الفكرة المشبوهة القائلة بالتولّد الذاتي لهذا الفكر مصدرا, فإن العامل السياسي (الداخلي والخارجي) بات من الظهور بما لا يدع مجالا للشك فيه كمصدر إلا عند الغبي أو المتورط في المؤامرة للتخويف من الإسلام.
بل يمكنني القول ودون أي مجازفة إن بعض المتصدرين للدعوة إلى نبذ التطرف واقعون فيه إذا اعتبرنا التعصّب أحد مظاهر الإنحراف السلوكي, وإلا فماذا نسمي - بعيدا عن موقفي وتقويمي للفكرة – التشديد على مرجعية المذهب الشافعي في مصر والمالكي في المغرب والجزائر من الجهات الدينية والرسمية في حين انتقد هؤلاء أنفسهم اشتمال الدستور الإيراني على مرجعية المذهب الشيعي .
وإذا كانت قراءة التاريخ بعقلية متعصبة من مظاهر الإنحراف الفكري فإن مثاله يتجلى في التأريخ للمبعث النبوي الشريف كما للإسراء والمعراج بهذا الكم من الأقوال المختلفة التي لم أجد تفسيرا منطقيا لها غير إبعادها عن أن تكون من أيام الله التي تعظِّم حق نبينا عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
ويتجلى تأثير العامل السياسي (الداخلي والخارجي ) في إثارة روح التعصب في مثال بعض المفتين أو في موقف شيخ الأزهر الشريف الذي بعد أن كتب رسالة شكر[3] فيها لآية الله العظمى السيد الخامنئي حكمه وفتواه بشأن السيدة عائشة والصحابة رضوان الله عليهم وبعد صدور مواقف مماثلة من مراجع الشيعة أعاد ولأكثر من مرة تكرار مطالبته بموقف شرعي من مراجع الشيعة.
وهذا الأمر نفسه من مظاهر الإنحراف السلوكي الدال على انعدام الثقة والتصديق وقبول قول الآخر خلافا لحمل المسلم على الأحسن الذي يأمر به الإسلام, وإذا كان الشيعة سيعاملون دائما على أن مواقفهم تندرج تحت عنوان التقية فمتى يمكن التعايش معهم؟
--------------

أيها الأخوة
مظاهر الإنحراف عديدة على مستويي الإعتقاد والسلوك ولها آثار تكليفية ووضعية وبعضها تجتمع ويجتمع حكمها وهو مما لا يغيب عنكم أساتذتي وإخواني والبحث فيها يطول.
وأختم بالقول: إخواننا الفلسطينيون يخوضون معركة التحرير؛ سواء الأسرى في السجون والأسرى تحت الإحتلال.
لم تكن لنا يد في الاختلافات فلتكن أيدينا معا في تحرير المسرى والأسرى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
‏الثلاثاء‏، 25‏ نيسان‏، 2017







[1] {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة : 119]
{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ} [الشورى : 48]
[2] مسلمون تحولوا إلى المسيحية
- حسان أبو حمزة سوري قَاتَلَ مع جبهة النصرة يعتنق المسيحية
[3] رسالة شيخ الأزهر حول فتوى الخامنئي, بيروت - جريدة النهار -الخميس 07 تشرين الأول 2010 - السنة 78 - العدد 24185

 هنا النص الحرفي لبيان شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب حول فتوى السيد علي الخامنئي بتحريم الاساءة الى زوجات الرسول وصحابته:

تلقيت بالتقدير والترحيب الفتوى الكريمة التي أصدرها سماحة الإمام علي الخامنئي بتحريم الإساءة إلى الصحابة رضوان الله عليهم أو المساس بأمهات المؤمنين أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي فتوى تصدر عن علم صحيح، وعن إدراك عميق لخطورة ما يقوم به أهل الفتنة، وتعبر عن حرص على وحدة المسلمين، ومما يزيد من أهمية هذه الفتوى أنها صادرة عن عالم من كبار علماء المسلمين ومن أبرز مراجع الشيعة وباعتباره المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وإنني من موقع العلم، ومن واقع المسؤولية الشرعية، أقرر أن السعي لوحدة المسلمين فرض، وأن الإختلاف بين أصحاب المذاهب الإسلامية ينبغي أن يبقى محصورا في دائرة الاختلاف في الرأي والاجتهاد بين العلماء وأصحاب الرأي وألا يمس وحدة الأمة، مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين"، كما أقرر أن كل من يزكي نار الفتنة بين المسلمين آثم، مستحق لعقاب الله ولإنكار الناس.

وإن الأزهر الشريف ليدعو المسلمين لأن يعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا، وأن يجمعوا جهودهم للعمل من أجل رفعة الإسلام، ووحدة المسلمين، وعزة الأوطان، وإرساء السلام بين الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأجناسهم.

وينوه الأزهر الشريف بأن مصر كانت دائما سباقة للعمل على التقريب بين مذاهب المسلمين على منهج الإعتدال والتوسط والإجتماع على القواسم المشتركة، وأنها بادرت إلى إنشاء دار للتقريب بين المذاهب ضم صفوة من أهل العلم والدين والرأي والثقافة والسياسة من مختلف بلاد الإسلام، جمعهم نبل القصد وعمق الفهم، وصدق النية، والعمل على مرضاة الله سبحانه وتعالى.

وختاما فإن الأزهر الشريف يوجه تحية صادقة للإمام علي الخامنئي على فتواه الكريمة التي أتت في أوانها لترأب الصدع وتغلق أبواب الفتنة، ويدعو الله تعالى أن تكون فاتحة خير، وبداية لعمل جاد موصول، لجمع المسلمين على كلمة سواء بعيدا عن دعاوى الغلو والتطرف، ودعاة الفرقة والخلاف.

ألبوم الصور